تزامــــنا مع إنطلاق سينودس الأساقفة حول ” العائلة ” ، والتحدّيات التي تواجه الأسرة والعائلة والزواج ، وأيضا الحب ؛ فلا يمكننا الفصل بين مواضيع العائلة والزواج عن الحبّ ومعناهُ العميق . هذا السينودس الذي دعا فيه قداسة البابا فرنسيس آباء الجمعيّة إلى طلب نعمة ” الإصغاء ” للروح القدس . كما دعا أيضا المشاركين ليكونوا مستعدّين لمواجهة صادقة ومنفتحة وأخويّة.
لهذا ، كان لا بدّ أن ننشرَ مقالات ٍ حول ” لاهوت الحبّ والزواج ” . وسأركّز أوّلا حول الحبّ وركائزه ومعناه بعيدًا عن الفلسفة المملّة والتعابير اللاهوتيّة الصعبة _ التي وإن كانت ، بعض الشيء موجودة – لكنّني سأحاول أن أبسّط الأمور وأجعل الموضوع ” واقعيّا ” أكثر . وسأبيّن أيضا : بين ما هو من الحبّ ، وما هو ليس من الحبّ ؛ أي الصيغة السلبيّة له : الإعجاب والغرام والهيام . كثيرةٌ هي الشروحات والمقالات التي تطرّقت لموضوع الحبّ والعلاقات التي هي ، في ذات الوقت ، متشعّبة ومعقّدة .
ونحنُ هنا ، إنطلاقا من تعاليم الكتاب المقدّس والكنيسة الرسوليّة الجامعة ، لا يمكننا أن نخرج عن هذه التعاليم ونكوّن أفكارًا عشوائيّة مهزورة ترضي الغرور فقط والمصلحة الشخصيّة.
وبما أنّ موضوع الحبّ والعلاقات ، يشملُ أيضا ” الزواج ” ، فسنتتطرّق للاهوت الزواج المسيحيّ أيضا .
كمقدّمة بسيطة:
يدّعي علماء البيولوجيا الملحدون ، أنّ الحبّ هو عمليّة محض كيمائيّة ، يمكنُ وصفها بأنها ” خدعة مدبّرة ” أو ” فخّ ” نصبته الطبيعة لتأمين الإنتاج التوالديّ وديمومة حياة الأجناس ، وهذه العمليّة هي قدريّة بيولوجيّة محدودة الهدف ، يتفاعل خلالها العقل مع الطبيعة لكي يطيل عمر هذا الحبّ .
أما الأب اللاهوتيّ والعالِم تيلار دي شاردان فيقولُ : إنّ للحبّ وجهان يتحدّد من خلالهما علاقة الإنسان بالله ، مصدر الكائنات وعلاقته بنظيره الإنسان . ولهذا التفسير وجهين : الحبّ الكونيّ و الحبّ الزواجيّ والجنس . فالحبّ الكونيّ : إنّ الإنسان هو ابن الكون وابن الله على السواء . وشريعة الحبّ هي التعبير عن القدريّة الكونيّة التي لا تتوقّف عن بناء العالم . إنها الشريعة الأمّ (Matrice) التي تخترق التشريعات كافّة ؛ لإنها تعطي المادّة لونها ، وطعمها . ولإنّ الحبّ كان مُبعَدا عن تركيبة العالم ، علينا واجب إتخاذ القرار أن نعترف بإنّ الحبّ هو ” طاقة الحياة ” الأساسيّة ، والمكان الطبيعيّ حيث يمكنُ حركة التطوّر التصاعديّ أن تستمرّ .
وفي كتاب ٍ عن الجنس ، يتخذ تيلار دي شاردان مواقف ثوريّة بارزة أهمّها ، قوله بأن لا تناقض بين العلاقة الجنسيّة والعلاقة الروحيّة . ويلاحظ أنّ الكثير من الديانات تعتبر التغلّب على الجاذبيّة الجنسيّة على الروح فيقول : هناك إعتقاد بإنّ العلاقات الجنسيّة – في الزواج طبعًا – هي ملطّخة برواسب السقوط والخطيئة والتلوّث …. وأنّ الجنس هو خطيئة ؟
هذه المعتقدات ، يقول دي شاردان ، لا أساس لها في المسيحيّة ، إذ يمكن أن يعاش الجنس وأن يكون سبيلا إلى الإرتقاء الروحيّ .
يتبع