عقدت ظهر اليوم ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام “بمناسبة الأربعين لرحيل السيد هاني فحص” تخللها وإعلان عن صلاة مشتركة ستقام في ذكرى رحيله في كنيسة مار الياس انطلياس الكبيرة نهار الجمعة في 24 تشرين الأول الساعة السابعة مساءً والدعوة عامة.
ترأس الندوة رئيس اساقفة بيروت ورئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، وشارك فيها: الأب مارون عطالله، رئيس جمعية “فرح العطاء” الأستاذ ملحم خلف، ابن الفقيد السيد مصطفى فحص، السيد سعود المولى، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، وحضور رئيس ومؤسسة “لابورا” الأب طوني خضره، العميد أنيس مسلم، والأستاذ رشيد جلخ وعدد كبير من المهتمين والإعلاميين.
رحب المطران مطر بالحضور وقال:
“نجتمع اليوم حول ذكرى الشيخ هاني فحص رحمه الله وهو بعض التكريم الواجب الذي كان بيننا إماما وصديقاً وآخاً ومعلما،نفتقده كثيرا وكثيراً في ااندوات، الاجتماعات، وفي اللقاءات داخل الأراض اللبنانية وخارجها وكم التقينا في مؤتمرات دولية وتحدثنا معاً فكانت كلمته جامعة ، كان ذلك الإنسان العابر للمناطق والطوائف، حبذا لو استمع إليه أهل زمانه أكثر مما فعلوا.“
تابع “نرجو من صميم القلب أن يستمع المسلمون إخواننا بكل أطيافهم إلى مقولاته لما في ذلك طريقاً إلى الوحدة والتآخي والسلام المنشود. الإسلام دين السلام والرحمة والمسيحية دين المحبة، والتلاقي بيننا نحن المؤمنين فريضة وأمر واجب.”
دعا سيادته ” ألى أن نستعيد روح السيد هاني فحص الذي أحب الجميع والجميع أحبه متسائلاً: لماذا لا ندخل كلنا في حوار جدي اسلامي مسيحي واسلامي اسلامي. هناك فروقات ولكن هناك جوهر ولنتمسك به. الفروقات لا تعفينا من المودة والمحبة فيما بيننا مشدداً على أننا بحاجة إلى هذا الحوار ليس من أجل لبنان فقط بل من أجل المنطقة كلها. نحن الضامنون للمنطقة هذا هو تاريخنا ومستقبلنا.
ولفت سيادته “إلى أنه علينا أن نعقل ونوفر كل خيرات المنطقة لأبنائنا ومستقبلهم ولنكون في طليعة من يعملون لما فيه خير الأسلام والمسيحية، ولنقف صفاً واجداً في تغيير هذا الوضع ولغد أفضل من اليوم وهكذا نكون قد أوفينا قسطاً من مبتغى السيد هاني فحص.”
ثم تحدث الأب مارون عطالله فقال:
” كان السيد بلا حدود، كان مسلماً بلا حدود وعربيًا بلا حدود ولبنانياً بلا حدود ومشرقياً بلا حدود فكانت قوميته الإنسان.”
تابع: ” مسلماً كان يصلي على النبي ويسلّم ويقوم بالشهادتين. كتابُه القرآن الكريم وشريعته السنة. وكان يقول: “الاجتهاد هو رافعةُ علمنا وديننا وفكرنا وفهمنا.. بدونه”، تتوقف الحركة وتصعب رؤية الحاضر واستشراف المستقبل والإجابه على اسئلة اليوم. بدونه، تذهب إلى الماضي وتعيش عليه بدل أن تضيف إليه. “
أضاف: “كان شيعيّا، يعشق عليّاً. فكان كل قدسيّ يعيده إلى عليّ. وبقي بالمودة مع السنة، يحترم خصوصياتهم ويعترف بأولياتهم. وكان مولعاً بالمتصوفين ولو تجاوزوا حدود الشريعة. يرتقون وكان معهم يرتقي. وكل ما يرتقي يلتقي.”
تابع “عربياً كان بلا حدود مولعاً بالعرب، يتقن العربية وفيها يحاور ويكتب ويعلم، فكان يعلمُ، لا ما يعرف، بل ما يعيش.”
ولبنانياً كان بلا حدود مولعاً ب”جبشيت” وبكل قرية من قرى لبنان وبالنبطية وبكل مدينة من مدنه، ويحب سوريا والعراق والأردن… والعالم. وكان مولعاً بتراثه المشرقي، العربي والأرامي والعبريّ والكنعاني-الفينيقي. مهد حضارات العالم. لكنه يعود كل يوم إلى تراث اليوم، الوروبي والأميركي، ناهلاً من فكره وعلمه وتشريعاته.
وختم بالقول: “كان السيد، قبل أي انتماء، إنساناً. الإنسان قوميته. يعترف بالآخر المختلف، في حوار معه من أجل توسيع المشترك وتضييق الخلاف. في تعارف وتثاقف وتوافق على العيش المشترك وعلى الخير المشترك. وكان دينه دوماً في خدمة الإنسان. يُكرم الأنسان كما يكرم الكريم ويمجد الإنسان كما يمجّد المجيد. ومجد الله خلاص البشر.”
ثم تحدث السيد سعود المولى بعنوان، هاني فحص: المناضل التاريخي وقال:
ولد السيد هاني فحص عام 1946 في جبشيت-قضاء النبطية ، ووصف طفولته بالمشاغبة، عشق اللغة العربية التي كانت الدافع الأول لرحلته النجفية (1963- 1972) حين قال “عشقت اللغة وعشقتني هي أيضاً.. وأثناء دراسته النجفية أشرف على مجلة النجف لمدة عام وهي المجلة التي شكلت تجربة فريدة على مستوى الكتابات الفقهية والتاريخية والأدبية وشارك فيها كبار تلك المرحلة وعلى رأسهم الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد تقي الحكيم.”
قال “تفرّغ السيد هاني بعد العام 1992 للحوار والكتابة والعمل الفكري والثقافي، فأسسنا أولاً الهيئة الإسلامية للحوار، بطلب من الشيخ شمس الدين، ومنها انطلقنا لتأسيس “المؤتمر الدائم للحوار اللبناني” (1993) ، وجريدته الأولى “قضايا الأسبوع” (1993-1996) ثم مجلتيه: “قضايا لبنانية” و”أوراق الحوار” (1996-1998). كما أسسن (1995) الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي، الذي تحوّل إلى أهم مركز للحوار العربي حول الدولة المدنية والمواطنة…”
تابع “ثم أسسنا “اللقاء اللبناني للحوار”(2001) الذي ضم 30 شخصية من كل الطوائف والمناطق والاتجاهات لبلورة صيغة فعالة تسمح بإدارة التنوع والخلافات سلمياً في لبنان … وكان السيد يحرص دائماً على التواصل والتشاور الدائم
. أصبح بعد وفاة الشيخ شمس الدين 2001، هو المؤتمن على هذا الخط التاريخي للشيعة العرب واللبنانيين، خط “ولاية الأمة على نفسها” وبناء “دولة مدنية ديمقراطية عادلة” و”مواطنة سليمة متساوية للجميع وبين الجميع ومن أجل الجميع”.
أردف “وبعد، فقد كان السيد هاني فقيهاً شيعياً مجتهداً عن علم غزير ومعرفة عميقة… ولو أنه لم يطلب أي مقام ديني أو موقع فقهي أو مركز علمي، ولا طلب اعترافاً من أحد بعلمه وفضله وهو الذي كفاه قلمه عن كل طلب. لقد كان يعيش فقط من قلمه … يكتب ويكتب… ولكنه أيضاً لم يترك منبراً أو وسيلة أو مطرحاً لنشر فكرة الحوار والسلم الأهلي والمصارحة والمحبة واللقاء على مشتركات وبناء تضامنات وصياغة عقد اجتماعي وبلورة قضايا العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين الوحدة والتعدد، إلا وطرقه …
أضاف: “كان السيد مجدداً في كل شيء لا يخشى القول بالعلمانية من منطلق إسلامي ولا يخشى انتقاد الشيعية السياسية من منطلق وحدوي، كما انتقد من قبل المارونية السياسية والسنية السياسية والثورة الفلسطينية والقيادة الإيرانية الخ… ودائماً من منطلق الحرص على العروبة ولبنان وفلسطين والإسلام والتشيع.”
قال “كان حاضراً في كل ما هو إيجابي ومشرق… كان يستولد المبادرات حين كنا جميعنا نعجز عن مواكبة التطورات المتسارعة والمقلقة. فكان يسبقنا ويذهب إلى حيث توجد مبادرات شبابية جريئة: من مخيمات الحوار والتعاون التي كان الفريق العربي للحوار يقيمها في قبرص ومصر وسوريا والأردن ولبنان، إلى مخيمات انتظارات الشباب مع صديقه الرائع الأب مارون عطاالله، إلى العمل الكبير الذي كرّس له نفسه في جمعية فرح العطاء مع الدكتور ملحم خلف، إلى مظاهرات العلمانية والدولة المدنية مع شباب لبنان من كل الأطياف، إلى الحوارات الصاخبة في النجف وبغداد واربيل والسليمانية بحثاً عن حلول سلمية ديمقراطية مدنية لعراقه الذي كان يصرخ فيه كلما تذكر بيتاً لبدر شاكر السياب أو لمظفر النواب… إلى حوارات القاهرة مع شبابها وشيوخها بحثاً عن “طريق عربية نحو المعاصرة والمواطنة” وعن أفق إسلامي للدولة المدنية وللديمقراطية…”
وختم بالقول: “ومن لاهوت الثورة إلى لاهوت الحوار، امتشق السيد هاني قلمه وجعل قلبه دليله وعقله شراعه، فحيث كان القلب كان الحلم وكان الحب وكان الفرح وكانت الطفولة وكانت الذاكرة، وكانت الثورة وكان النضال وكان التغيير… كان السيد هاني صديقاً حبيباً مخلصاً وفياً صادقاً صدوقاً، وكان عالماً متفقهاً متبصراً منفتحاً أصيلاً حراً لا يخشى في الحق لومة لائم، كان نسمة ناعمة داعبت خيالنا وأيقظت أحلامنا…”
ثم كانت كلمة السيد مصطفى فحص فقال:
“هي دعوة لصلاة تشبه جنازته، خلفَه مشى المشيعون افراداً كانهم جماعات، وجماعات كانهم أوطان، هو الذي تعدّدت اوطانُهُ لكن سماءه ظلت واحدة، صلى تحتها صلاة واحدةً و قرأ بكتابين.”
تابع: “ومن جبشيت الى انطلياس سياتي مشيعوهُ مجددا ليرفعوا الآذان وويقرأوا الأبانا ويرتلوا ما تيسر لهم من قرآن وإنجيل و دعاء على روحه.”
أضاف: “مدعوون نحن لنرافق الفتى العامليَ في محطته القديمة الجديدة في انطلياس في كنيسة عاميتها. هنا سيجتمع احفادُ الفلاحين و المزارعين من عاملة و رفاقُ سيد ثورة التبغ مع احفاد عامية انطلياس و ثورة طانيوس شاهين، مع اصدقائه الذين قال عنهم في “ماضي لا يمضي”، ” أجمل ما فيهم انهم لا تجمعهم طائفة ولا طبقة ولا قومية ولا كيان ولا مزاج و لا حساسية”. هو لبنانُ الذي توحد في جبشيت بعد ان فشِل الكثيرون في جمعِهِ، سيجتمعُ مجددا خلفَه للصلاة على روحه لنؤكد له ان عيشَنا مشترك رغمَ كل اصوات النشاز وأن عيشنا واحدُ رغم كل دعاة التفرقة والتقسيم وهو الذي قال يوماً “لبنانُ من دون مسيحييه لا طعم له ومن دون مسلميه لا دور له.”
وختم بالقول: “هو ابن الكتلة التاريخية بمعناها الحضاري والتعددي وهو كما قال ان هذا مجدي و فخري و منبع الحيوية في قولي و عملي، إني ابن الجميع أي لست إبنا لأحد ومن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.”
ثم كلمة الأستاذ ملحم خلف جاء فيها:
“في خضمّ مرحلة قاسية ملؤها الإزدحام بأقسى التحديات والضغوطات والصراعات العقائدية والمذهبية والإجتماعية والسياسية يأتي رحيل العلاّمة السيد هاني فحص مشكّلاً منعطفاً صعباً لغياب مرجعية فكرية وإنسانية لا مثيل لها في الساحة اللبنانية بالرّغم من وجود شخصيات وفقهاء ومفكّرين، وعسى ألاّ يشكّل هذا الرحيل وضع حدّ لتجربة فريدة إنسانية إمتدّت لنحو نصف قرن من الإلتزام بالإنسان تجلّى في آخر سنواته محبّة ورجاء ومبادرات جامعة موحّدة مواجهاً التطرّف وإقصاء الآخر، محارباً العنف منادياً بالإختلاف لا بالخلاف مناشداً الحوار والإعتدال خارقاً الأفق المسدود أي تكن سماكة الجدران …رجل التواصل وبناء الجسور رجل الصداقة والصدق.”
وتساءل “بغياب هذا الرّمز الكبير هل إنتهت المرحلة وهل إنتهى الفكر النيّر؟”
وأجاب “هذا النهج الذي أرساه العلاّمة السيد هاني فحص لا يمكن أن ينتهي إذ بناه على أسُسٍ متينة تحاكي المستقبل. هذا النهج لن يتجمّد ولن يغيب أو ينتهي. وعن إستمرارية هذا النّهج نجد والحمدلله أشخاصاً واعية إستوعبت هذا الفكر للإبقاء على إستمراريته.”
أضاف “رحل العلاّمة الكبير والفقيه المجدّد وصاحب الفكر المميّز وداعية الوطنية الصادق والباحث والأديب والمفكّر صاحب الآراء الصائبة والدقيقة. الذي داف
ع عن الإسلام وقضاياه وإنفتح على المسيحية بقلبٍ كبير وبحث عن النّقاط المشتركة في قيَم كلٍّ من الديانتين.”
وقال “من ثوابته دعوته للإنفتاح والتقارب بين البشر بوحدة إنسانية عميقة تجمع ولا تفرّق وظلّ يدافع عن هذا التوجّه حتى الرّمق الأخير. ودعا للحوار فمارسه وعاشه بإمتياز هادفاً من خلاله البحث عن الحقيقة في كل جوابنها بمحبة وصفاء دون حقدٍ أو عداء. وهو أوقيانوس في العلم والمعرفة والصدق والقلب الكبير.”
وختم خلف “باعلانً إلتزامه بنهج الإنسان وبمسار الإعتدال وبوطن الرسالة لنصل الى بشرية يحلو معها العيش خيارها الخير أياً تكن العواصف والصعوبات.”
ثم اختتمت الندوة بكلمة الأب عبده أبو كسم فقال:
“كان من المفترض أن يشارك الشيخ هاني فحص معنا في ندوة عن الجيش اللبناني ولكن مع الأسف الموت خطفه منا رحمه الله.”
وتحدث أبو كسم عن “علاقة الصداقة التي كانت تربطه باالسيد هاني فحص معتبراً أنه ليس غريباً عن المركز بل المحاضر الدائم الذي يلبي دعواتنا للحديث عن القضايا الوطنية والعيش المشترك .” وعن السيد فحص والبساطة في العيش وهذا هو أغلى كنز رغم عظمته ومكانته، وعن فحص والفقر، هذا الفقر االاختياري الذي هو كفقر النساك والزهاد، وعن جرأته إلتي أوصلته إلى التهديد إذا أنه كان يقول الحق بجرأة رغم أنه كان يعلم أن هذا الشيء سيكلفه. وقد رحل في مرحلة من الزمن حيث التكفير والإرهاب والإضطهادات، ونحن بأمس الحاجة إلى لغته وجرأته فهو رجل المرحلة. متوجهاً إليه بالقول: “ولدت فقيراً وعشت زاهداً ومت غنياً بمحبة كل الناس ونأمل أن يكون من عائلته من يسير هذا الدرب”.