فنحن إذاً أمام إشكالية الحب وسرّ الزواج، والمسألة تفرض ذاتها بقوّة، كيف بإمكان الشريك المسيحي/ة، تحقيق دعوته/ها المسيحيّة عندما(ي) تقترن مع شريك آخر مختلف عنه/ها في الدين والإيمان؟ وكيف بإمكاننا رؤية تجليات الحياة المسيحيّة في حياة الأسرة؟ وهل تتوافر الحظوظ في إنجاح مسيرة التربية ووضع ركائزها المشتركة مع هكذا زواج مختلط؟
تقودنا الخبرة الرعوية الى التالي: أن نجاح الزيجات المختلطة محفوفة بكثير من المخاطر والتحديات. فهناك الكثير من النساء كان الإنفصال مصيرهن بسبب تداخل عامل الدين وثقل المجتمع المتشدد والمغلق والذي يرفض إختلاف الآخر، وخاصة الضغط الممارس من قبل الأهل. أدت هذه الممارسات، الى إخضاع البعض وإلزامهن بطريقة ممنهجة وأحياناً معنّفة، بالتنازل والتخلي عن الدين، خوفاً من الطلاق أو الزواج من إمرأة أخرى. وأما الناجيات من تلك الممارسات المجحفة، فهنّ قلّة قليلة وأحيانّا نادرة، لأنهن إستطعن أن يصمدن في وجه التشدّد محافظات على إيمانهن بالثالوث والفداء والكنيسة، وذلك بفضل إنفتاح الشريك وثقافته وقبوله الإختلاف، غير أن التنازل في بعض القيم والحقائق الدينية، كان ولا يزال كابوس التربية، وأحياناً سبب خلافات وصراعات.
هل بإمكاننا أخذ هذه الحالة النادرة، نموذجاً موضوعيًّا يحتذى به؟
إن إعتماد الخطاب الإعلامي البعيد عن الدقة الموضوعيّة والعلميّة، يسهم بشكل خطير في تقويض سرّ الزواج، لأنه يضع الذاتانيّة Subjectivité مكان الموضوعية objectivité ، واللحظات المتقطعة مكان السياق التاريخيّ بأكلمه. فالمسألة لا تعلق في الأخلاق والنواهي والمسموح، فليست المسيحيّة ديانة أخلاقيّة أو دين فلسفي، بل هي إيمان بشخص المسيح الرب والإله – الإنسان المخلّص والفادي، منه تنبع أخلاقيّة الفعل لاسيّما أخلاقية الحياة الزوجيّة[1].
كشف لنا العهد الجديد قيمة الزواج المسيحي، فقد وضع إنجيل يوحنا، أولى آيات وبدايات عمل يسوع الخلاصيّ في عرس قانا، فالرب هو الأساس التأسيسيّ للثنائي الزوجيّ المختلف (راجع يو2: 1- 11) ومن دونه يتحوّل العرس الى مأساة وفشل. ومن عرس قانا، أظهر الرب مجده الإلهي وسط العرس- الحب الزوجيّ. أما عند القديس متى فقد كشف الرب للفريسيين والصدوقيين، إرادة الله الآب في مسألة الزواج (راجع مت19: 3- 6) أن وحدة الثنائي المختلف أرادها الله منذ البدء، إنها وحدة إيمانية بالله الواحد والثالوث تتحقق في الشراكة الزوجيّة، حيث في وحدة الأزواج تنعكس صورة الثالوث، وهذا ما يحققه سرّ الزواج المقدّس.
لهذا، لا يمكن لأي تيار إجتماعي أو أنتروبولوجيّ أو سياسيّ، أن يدّعي لذاته وتحت أي ذريعة كانت عرض أنماط من الزيجات تخالف إرادة الرب، أو أن يجعل من المسألة قضية أخلاقية وإجتماعية بحتة لحل معضلة ما. فمن يزج نصاعة سر الزواج في حلول جزئيّة فإنه حتماً سيقحمه في النسبية والمنفعية.
يلقى على الأزواج والرعاة العمل الجاد الرعوي، في توعية الشبان والشابات على سر الزواج[2] من خلال برامج تربوية مسيحيّة، تأخذ بعين الإعتبار الأبعاد العاطفية والإيمانية للحب، والمخاطر الناجمة من الزيجات المختلطة بين مسيحي وغير مسيحي، وبث ثقافة الإنفتاح البنّاء والمتّزن. لأن هدف الحب الذي أراده الخالق للإنسان، يكمن في عيش السعادة، ولكن الإنسان بسبب الخطيئة الأصليّة صار ضعيفاً وبحاجة الى النعمة، لهذا وضع الرب سر الزواج المقدّس ليرفع الحب البشريّ الى درجة الكمال ويحصّنه بالنعم اللازمة، ويدعم الوحدة الزوجيّة و« بهذه النعمة يتعاون الزوجان في تقديس ذاتهما في الحياة الزوجيّة، وفي إنجاب البنين وتربيتهم»[3] تربية مسيحية.
يظل الزواج المختلط بين مسيحي وغير مسيحي تحدّ دائم، لأنّه يتطلب الكثير من العناية والمتابعة من قبل الكنيسة والأزواج وحتى الدولة. فخير المجتمع يكمن في عائلة متضامنة ومتحدة يتعاون فيها الأفراد على الحب والألفة والأخوة والإنفتاح وقبول الآخر. وأي خلل في جينة العلاقات الأسريّة، ستصيب المجتمع حتماً بأزمة التصدّع والإنغلاق.
[1] Une rencontre avec des commissions de la famille des diocèses Catholiques, Antonelli Enno (card) et Lafftite Jean (Mrg), N:5.
[2] – راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة، فقرة 1633
[3] – المرجع ذاته، فقرة 1641