ما طهّره الله لا تنجّسه أنتَ ” (أعمال 10 : 15 ) . لا يمكننا أن ننظرَ بإزدراء ٍ إلى ما قدّسه الله . فالجنسُ ، بحدّ ذاته ، مقدّس ؛ وليس بأمر دنس و ” عيب ” ! . يُصبح عيبًا في حالة ٍ واحدة فقط ، وسنراها لاحقا – بالتعرّي … أصبحَ الإنسان ” عريانا ” لإنه فقد نقطة إرتباطه بالنبع الإلهيّ . وأصبحت العلاقة ، التي كانت مترابطة بينه وبين الله ، مفكوكة ً ؛ فأضحى والله منفصلين وسقطَ في الضياع والتعرّي . فبعدَ أن كانا (الإنسان والله – الرجل والمرأة ) في علاقة شفّافة دون حجاب ٍ أو ستار ٍ ، وهم لا يخجلان ؛ أضحت العلاقة محجوبة ً ، وهنا ” تعرّيا ” . والجنسُ لم يولد بخطيئة الإنسان ، بل هو جزءٌ من مخطط الله ، وليس خطيئة . لإنه لم يوجد بعد الخطيئة .
يجب أن ندرك ، أنه ليس في العالم شيء دنسٌ بحدّ ذاته ، لإنّ الله خالق كلّ الأشياء وكلّ الكائنات ، خالق الرجل والمرأة ، بكلّ الأعضاء والغرائز : ” أعضاء الجسد التي نحسب أنها بلا كرامة نعطيها كرامة أفضل ” (1 كور 12 : 23 ) . فالجنسُ ليس من صنع الشيطان ، والغريزة الجنسيّة زرعها الله فينا لــ ” هدف ” سام ٍ من قبل سقوط آدم . بعد الخطيئة نجدُ أن نظرة الإنسان إلى الجسد وجسد الآخرين قد تغيّرت . والهدف الإلهيّ ، هو أن تكون هذه النظرة المشوّهة للأمور ، نظرة ً شفافة صادقة .
لقد تأثّرت المسيحيّة بمذهب يسمّى ” المانيّة ” أو ” المانويّة ” نسبة ً إلى ” ماني ” وهو فيلسوف ظهر في القرن الثالث الميلاديّ ، وهو بدوره قد تشرّب من فلسفة زرادشت التي سادت بلاد الفرس ( إيران حاليًا ) . هذا الفيلسوف قسّم العالم والخليقة إلى عالمَين ، عالم الروح وهو من صنع إله الخير ، وعالم الجسد (المادة ) وهو من صنع عالم الشرّ . وكان يعتقدُ بوجود إلهين ، إله الخير وإله الشرّ . وهذا ما ترفضه المسيحيّة رفضا قاطعًا .. ولا زال هذا الفكر يجذب الكثيرين إلى ما لا تحمد عقباه ، من حيث لا يدرون ْ . المسيحيّة بتعاليمها ترفضُ الثنائيّات المانويّة والغنوصيّة ، التي كانت تنظر ، بإحتقار ، للجسد أو المادّة ، معطية للروح صورة الصفاء والنقاءْ ، وللجسد بالزوال والفناء والفساد .
عندما نقرأ الآية التي تقول : ” خلق الله الإنسان على صورته ، ذكرًا وأنثى خلقهما … ” تك 1 : 27 . نجدُ حقيقة أساسيّة مهمّة وهي ، أنّ واقع الإنسان هو واقعٌ ثنائيّ الجنس ( لا بمعنى الثنائيّة الغنوصيّة ) .. المرأة والرجل هما مكمّلان لمفهوم الإنسان ولوجود الإنسان . يقول المطران يوسف توما : عندما نذكر كلمة ” جنس ” لا نعني اللذّة الجنسيّة كما يراها فرويد ، بل هذا الإختلاف الذي نشعرُ به كنقص في الوجود وإشتهاء للإكتمال في الآخر ، الذي هو في الحقيقة من مقوّمات كياننا البشريّ .
الجنسُ إذن ، دعوة للإنسان لكي يبحث عن إكتماله ” خارجا عن ذاته ” ، سعادته ليست فيه بل حواليه . فإنجذابه نحو الآخر ، واستكشافه اللذّة في اللقاء ، يعطيه أولى لمحات السعادة . ونعتبر كلّ إحتقار ٍ للجسد ، لدى الجنسين ، وما فيه من طاقات هو ظلم وإنحراف ضدّ الإنسان .
الخطيئة ، ليست في الجسد ، إنها في تمزيق الإنسان في وحدته . إنها في تمزيق العلاقة والشركة ، واحترام الإختلاف .
ما هو الإختلاف ؟
كلّ الشعراء والمغنّين ينشدون للآخر ، الحبيب المرغوب كجرح لا يندمل . فعندما يكبر الإنسان يشعر أنّ فيه هوّة ، هذه الهوّة قد انفتحت ، هذه الهوّة يصعُب التعبير عنها ، لكن الجميع يكدّون وراها . ويبدأ البحث عن ” الآخر ” الذي يستطيع أن يملأنا سعادة . لكن الإنسان ما يعتم أن يكتشفَ أن الإختلاف مسجّل لا في العقليّات والمفاهيم بل في آولى الخطوات : في الجسد نفسه .
فالغريبْ المرغوب هو فعلا ” مختلف ” ، وسيبقى مختلفا إلى الأبد : فالمرأة ستبقى امرأة ، والرجل رجلا . والمشاكل الزوجيّة تتسجّل ضمن هذا الإحترام للإختلاف . كيف يمكنهما أن يعيشا في تناغم واختلاف في عين الوقت ، دون إنطواء ودون رفض لماهيّة الآخر ؟ وهنا تكمن التجربة أي أن نحاول ملء الفراغ أو ” رفض الإختلاف ” . ونقع في التجربة عندما نعتبر الآخر مجرّد ” لعبة ” أو مجرّد ” جنس “. وننسى أنه ” الآخر ” أي أنه الناقص المكمّل .
يتبع