واستناداً إلى كلمته التي نشرها موقع قسم العلاقات الخارجية في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، تطرّق الميتروبوليت إلى موضوع العائلة الذي اعتبره الأهمّ في أيامنا هذه لأنه يشير إلى واقع المجتمع الذي نعيش فيه. وبرأيه، نحن نشهد على فساد مبدأَي الحرية والقدرة على الاحتمال، وتحوّلهما لتفكيك القيم الأساسية في التقاليد الدينية. فقد انتشرت فكرة النسبية الأخلاقية المُطبّقة على مؤسسة العائلة التي تقدّسها البشرية أجمع. وأصبحنا نرى بلداناً عديدة توافق على قران شخصين من الجنس نفسه، على الرغم من الاعتراضات العديدة، مما يؤدّي إلى اللجوء إلى تقنيّة الأمّ البديلة.
أمّا من ناحية مفهوم العائلة التقليدية المرتكز على وحدة ذكر وأنثى فهو يضعف أكثر فأكثر، ونرى بالمقابل انتشاراً للعلاقات الحرّة المُنادية بمبدأ المتعة التي بدورها تستبدل الإخلاص والاحترام المتبادل ومسؤولية الزوجين. وفيما لم يعد الأولاد يُعتبرون ثمرة الحبّ، تفشّى “حقّ الإجهاض” مؤدّياً إلى القضاء على حياة الملايين، وبهذا يكون العالم عملياً لا يتبع تعاليم الكنيسة. مع العلم أنه في نوفمبر 2013، كان قسم العلاقات الخارجية في بطريركية موسكو، مع المجلس الحبريّ للعائلة برئاسة الأسقف فنشنزو باليا، قد عقدا في روما مؤتمراً حول “حماية الكاثوليك والأرثوذكس للعائلة”.
وبما أنّ كلمات مخلّصنا بحدّ ذاتها هي التي تؤكّد على قدسية الزواج، فضّلت الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية عبء المسؤولية على المصالح الأنانية. وتقضي مهمّة الكنيستين حالياً بنشر مسؤولية الحبّ وحماية كرامة البشر كمكوّنَين لرسالة التبشير التي نحملها للآخرين. “لقد حان الوقت ليضمّ المسيحيون جهودهم ويتّحدوا بوجه التحديات التي تعترض العائلة، باللجوء إلى الحوار مع السلطات التشريعية والتنفيذية كما إلى المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والمجلس الأوروبي”.
في سياق متّصل، ذكّر الميتروبوليت أنّ الكنيسة الأرثوذكسية تنادي بسرّ الزواج الذي يُمنح لمدى الحياة. لكن في بعض الحالات الاستثنائية، وإذعاناً منها للضعف البشري، وحبّاً بالخاطىء، تسمح الكنيسة بزواج ثان بعد فشل الأوّل. هذا المبدأ الذي يُطبّق منذ عصور، قد يصبح اختباراً قيّماً ضمن تسوية المشاكل الرعوية للعائلة.
كما وأنّ الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية الشرقية لطالما حافظتا على مؤسسة الزواج ضمن الكهنوت. فعائلات الكهنة كبيرة ويتربّى أفرادها على تعاليم الكنيسة، وأرباب هذه العائلات يزوّدون الآخرين بمساعدة أفضل بناء على اختباراتهم.
وبالحديث عن الكنائس التي تتبع التقويم الشرقي، تطرّق الميتروبوليت إلى موضوع أصبح يشكّل حجر عثرة بين الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية، ألا وهو مشكلة “الأونياتية” (أي الانضمامية) التي تفاقمت إثر أحداث أوكرانيا واتخذت بُعداً دينياً، مع تعاون بعض الروم الكاثوليك الأوكرانيين مع مجموعات أرثوذكسية منشقّة. إلا أنّ اللجنة المشتركة للحوار الأرثوذكسي الكاثوليكي اعترفت سنة 1993 في البلمند بأنّ الأونياتية ليست السبيل للوحدة ولتقريب الكنيستين، بل هي تفرّق. كما ودعا الميتروبوليت في كلمته المنشورة على موقع قسم العلاقات الخارجية في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ممثّلي الكنيسة الأوكرانية للروم الكاثوليك لعدم دعم أشكال الانشقاق، وتجاهل نداءات الدمج لأنها تهدف إلى إبعاد المؤمنين الأرثوذكس في أوكرانيا عن بطريركية موسكو التي تنعم بروابط متينة مع أوكرانيا.
في النهاية، دعا الميتروبوليت المسيحيين إلى أن يكونوا “ملح الأرض” و”نور العالم” بدون أن يتدخّلوا بالنزاعات السياسية والأهلية والانقسامات التي تطبع أثرها على العائلة المهدَدة كما ووحدتنا بالمسيح. وأطلق نداء يقضي بحماية المسيحيين المضطهدين في العراق وسوريا وبلدان أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا، وبوضع حدّ لهجرتهم ولفت انتباه العالم إلى حالتهم.