يوحنا لا يحول خدمته الروحية إلى مهنة. يعرف أن يتخفى وأن يترك المكان لمن يسبقه. عندما يرى يوحنا يسوع، يلفت نظر تلاميذه: “هوذا حمل الله”. للحمل معانٍ وأبعاد رمزية هامة في الطقوس اليهودية والتقليد الكتابي، لهذا يفهم التلاميذ فورًا مقصد يوحنا المعمدان. وتجاوب التلاميذ السريع يبين أن يوحنا كان معلمًا صالحًا. لقد أعدّ التلاميذ لكي يكونوا دومًا على استعداد لمعرفة الرب. يعترف يوحنا أنه مجرد “صوت” والصوت يحمل “الكلمة” ويشير إليها، يختفي ليفسح المجال للكلمة دون تشويش.
وعليه، لدى سماع كلمة يوحنا، يتبع التلاميذ يسوع. وهنا يقول يسوع كلماته الأولى في إنجيل يوحنا: “ماذا تطلبون؟”. هذا السؤال يحملنا إلى أسئلة الله في العهد القديم، أسئلة تضع الإنسان أمام حقيقته. ليست هي أسئلة استفسار، بل أسئلة تضع الإنسان أمام حقيقته، تدعوه لكي يكون صادقًا، أصيلاً. ففي نهاية الإنجيل، نجد سؤالاً آخر يوجهه يسوع إلى المجدلية: “مَن تطلبين؟” (يو 20، 15). مسيرة الإنجيل هي مسيرة تعمق ننتقل فيها من البحث عن أشياء، إلى البحث عن شخص. وما يفاجئك هو أنك في بحثك عنه تجده هناك، في بحث مستمر عنك.
إذا بدأت البحث، فهذا لأنه وجدك أولاً. يسوع يذكّرنا: “ما من أحد يستطيع أن يأتي إلي إلا إذا جذبه الآب الذي أرسلني” (يو 6، 44). لقد أدرك باسكال ذلك. فقد وضع على لسان يسوع هذه الكلمات: “ما كنت لتبحث عني، لو لم تكن قد وجدتني”.