رأينا في الحلقة الثامنة من موضوعنا ” لاهوت الحبّ والزواج ” ، كيفَ أنّ الخجل ناتجٌ من التعرّي وليس العُري . إنه الشعور بالذلّ الذي هو ناتجٌ عن عدم حبّ الآخر ، وعدم جدارته واستحقاقه . إنه إنعدام الثقة ، فيسود القلق والسخريّة .
أمّا الثقة المطلقة ، فهي بالعكس ، تجعل الآخر يستحقّ الحبّ الأكيد ، ولا حاجة لأن يخجل من شيء ، وأن بإمكانه أن يكشف ما في أعماقه ، كما هي ، بسلبيّاتها خاصّة ، أي أن يصيرَ عاريًا . بهذه الثقة سوف اقتنعُ بأنّي صالحٌ بما فيه الكفاية في نظر الآخر لكي أتمكّن ، بهدوء ، أن أتصل به على مستوى الحقّ المطلق . هذه الثقة بالذات سوف تحقّق ما أرادَ أن يعنيه الكاتب اليهويّ عندما تكلّم عن ” الضلع ” ، أي أنّ الرجل والمرأة متكاملان ، فالرائع في الحبّ ، أنه يحبّ ما هو ناقص وغير مكتمل . لإنّ الحبيب يعتبر نفسه هو المكمّل . ففي الحبّ ، يحتاج المرء أن يشعر أنه هو المعنيّ بالنسبة للآخر ، أن يشعر بقيمة ما يعطيه ، ولا شيء أكثر قتلا للحبّ إلاّ هذا الإحساس أنّ الآخر قد شبعَ ، وأنه قد وصل إلى نقطة ” الإستقلال ” ؛ أي صارَ كائنا ” دائريّا ” لا يحتاجُ إلى شيء ولا يمكننا أن نمنحه المزيد .
إنّ الحياة الجنسيّة والرغبة بالآخر ، أي الرغبة بمعرفته حتى أعماقه ، والإستسلام لهذه الرغبة ، ليست سوى رموز لما يحدث بين شخصين يحبّان بعضمها تمامًا . يبحث الواحد عن حاجة الآخر ، عن نقصه ، عن فراغه ، ليس بدافع رغبة منه بالإذلال ، نابعة من شخص آمِر ومسيطر ، ولكن من شخص يمنحُ أعزّ ما لديه لنقص في الآخر . ولكي نتفحّص أعماق هذه العلاقة ، من الممكن أن ندرس ذلك من خلال الأجناس البشريّة ، أي ما يحدث في لدى الشعوب المسمّاة بالبدائيّة من خلال تبادل الحبّ ، فيشعر الواحد بالإنتماء إلى الآخر لا بإمتلاكه إيّاه ، ولكن يدخل إليه من خلال الناقص الذي فيه . عندئذ لن يعُد المرء يشعر بالذلّ عندما يحتاج إلى الآخر ، لأنه بذلك سوف يتحوّل إلى حقيقة ذاته ، بل حتى يصير وجود الآخر موضوع شكر وامتنان طوال حياته .
معجزة التبادل هذه ، ا لتي رأيناها في الحلقة السابقة ، نسمّيها ” الحبّ ” ، نشعر بالآخر كما نشعرُ بنفسنا لا فقط بما يمتلكه ، ولكن خاصّة بما يعوزه وبالنقص الذي فيه . حينئذ ستصيرُ الحاجة إليه طريقـــًا لإستكشاف ” الأنا ” ، وسيصير حضوره ووجوده هديّة ، ونعمة من السماء .
هنا فقط ، نستطيع أن نتكلّم عن ” معجزة التحوّل الداخليّ ” ، عن الإنقلاب الذي يحدثه الحبّ ، إذ ليس نادرًا أن تتحوّل حتى نظرتنا عن نفسنا ، ويصبح ما كان يخجلنا الشيء الأثمن في عين الحبيب . هذه الدينونة الإيجابيّة ، سوف تعلّمنا أن نحبّ ذاتنا كما نستحقّ ، وهذا موضوعٌ جديد لن نكتشفه إلاّ بواسطة الخجل الذي سيصير عودة إلى الفردوس المفقود إلى سعادة الحبّ .
سنرى في الحلقة العاشرة : بين الحبّ والإعجاب أو ” الغرام ” .