الحبّ أم الإعجاب (الغرام) .. نظرةٌ لرسالة " الله محبّة " للبابا بنديكتوس السادس عشر

لاهوت الحبّ والزواج (10)

Share this Entry

هناكَ الكثير من الأشخاص ، وخاصّة غير الناضجين ، يتصوّرون بأنّ الحبّ والإعجاب سيّان . ويُصهرون الحبّ والإعجاب (الغرام) في بودقة واحدة بإعتبار أنّهم ، بلقاءِهم بالفتاة في أيّ مكان وفي أيّ زمان ، وفي أيّ ظرف ٍ ، يعتبرونه أمرًا متساويًا ؛ وأنهم يجب عليهم أن يكونوا مُعتَبرين أمام الجميع ، وبأنهم على حقّ دائمًا ، ويشتكون بأنّ الجميع لا يفهمونهم . وبهذا ، وعندما لا يجدونَ يد العون فإنّهم يغضبون ويقومون بأمور ٍ مضادّة للأشخاص الذين هم أكبر منهم ، ويصابون بــ” الدمدمة ” الدائمة ، والعصبيّة ، والنفور ، وينقطع الحوار بين الأجيال الصغيرة والكبيرة ، ويؤول إلى الصمت المطبق . وهنا ، سيقوم هذا الجيل الصغير بخلق أجواء ٍ رومانسيّة خاصّة به ، يعكسُ الصورة التي هو يريدها على العالم وعلى المجتمع وعلى الآخر كما يحلو له ! فتتحوّل حقيقة الحبّ الأصليّة إلى ” لعب ومرح ” وضحكٌ على الذقون ، وإلى الرياء والكذب على الآخر . كيف نعرفُ بأنّ العلاقة بين اثنين هي علاقة ” إعجاب وغرام ” لا علاقة حبّ أصيلة ؟! لديّ مسطرة ومقياسٌ لهذا الأمر : أعرف ذلك الأمر ، بأنّ الوجه الآخر للحبّ الأصيل ليس هو الإرتياح والسكينة والأستقرار ، بل ” الألم ” . وهنا ، المُعجَب والمُغرَم لا يستطيعُ قبول الألم والمنغّصات ، فهو ينفر بسرعة . يقترب بسرعة كـ”شعلة ” ويحترق ، ويُحرق الآخر بالكلمات الرنّانة المتطايرة من لسانه ، ولكن عاجلا أم آجلا ً سيُحرق العلاقة الوهميّة التي جمعتهما . أستطيع تشبيه الإعجاب أو الغرام بعود الثقابْ ، فهو يبدأ بقدحة نار كبيرة ، ثمّ تدريجيّا تنتهي وتصبحُ رمادًا .

مشكلة الإعجاب أنه ” ذوبان وإنصهار ” وعدم قبول للإختلاف . إختلاف الآخر هدفٌ سام ٍ لكلّ علاقة حقيقيّة ، وعلامة نضوج ٍ كبير

المعجَب أو المُغرَم ، متقلقلٌ لا قرار ثابت له ، ولا إرادة حرّة . والأخيرة (أي الحريّة) ، بالنسبة له هي ” تسيّب وإباحيّة ” وليست حريّة ناضجة . إنها حريّة تُدغدغ أكثر ممّا هي تغذّي . حريّة صبيانيّة لا عقلانيّة . فصاحب الإعجاب يسيرُ بنصف عين لا بعينين . الحبّ الحقيقيّ حبٌّ عقلانيّ يتبع العقل والقلب والمخيّلة . لكنّ صاحب الإعجاب والغرام ، غريزيّ مُسيطِر ، متعجرِف ، لا يتبعُ العقل بل يتبعُ العاطفة السلبيّة الهوجاء ” المخربطة ” ، مخيّلته جامحة بعيدة عن منطق البناء الأصيل على الصخر . كيف يمكنُ أن يكون الحبّ والأعجاب : اختلاف ووحدة ؟

لا يمكنني هنا ، أن أتكلّم عن هذا الموضوع ، دون اللجوء إلى ما قاله البابا الفخريّ بنديكتوس السادس عشر في رسالته الرائعة “الله محبّة “ حول الحبّ ، والإعجاب والغرام . ودون أيضا التطرّق إلى الكتاب المقدّس وخاصّة سفر نشيد الأناشيد حول حبّ العشق الأصيل الذي يبذل ذاته ، ويضحّي بنفسه من أجل الآخر بعكس المُعجب والمُغرم ، فهو لا يضحّي بذاته من أجل الآخر ، بل يسحق الآخر من أجل أن يرضي ذاته وغروره فقط .

«غرام» (Eros) و«محبة» (Agapè) – اختلافٌ ووحدة

يقول البابا بنديكتوس السادس عشر :

كانت اليونان القديمة قد أعطت الحبّ المتبادل بين رجل وامرأة ، الحبّ الذي لا يولد من الفكر والإرادة ، بل نوعًا ما ، يُفرض على الكائن البشريّ ، أعطته اسم غرام (إيروس) . إن العهدَ القديمَ باليونانيّة يستعمل كلمة غرام مرّتين فقط ، فيما العهد الجديد لا يستعملها أبداً: من الكلمات اليونانية الثلاث المتعلّقة بالحبّ – إيروس (غرام) وفيليا (حبُّ صداقة) وأغابي (محبّة) . إن إهمال كلمة غرام – إيروس ، والنظرة الجديدة الى الحبِّ المعبَّر عنه من خلال كلمة محبّة – أغابّي . إنما يدلاّن بدون شك إلى شيء جوهريّ في جِدّة المسيحيّة في ما يتعلّق بالضبط بفهم الحب . ويتساءل البابا : هل المسيحيّة حطّمت فعلاً الغرام؟

يتبعْ

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير