بعد العزّ والجاه، إنتقل موسى من الشهرة إلى الخفاء، ومن الأبّهة إلى التواضع : وكأنّه بحياة الإنسان، الفقر والتجرّد والعيش بالظلمة لا بدّ منهم قبل أن يحين الوقت ليتدخّل الله، ويطلع على النور النبيّ الذي كان يعيش في العتمة…
ما من دعوة نبويّة إلاّ وعليها أن تعتمد هاتَين الركيزتَين: “الإصغاء”، وهو المعرفة الحقيقيّة لحاجات الشعب، و”الذكر” – وهو تذكار الحدث الخلاصيّ أي تأوينه في حياة هذا الشعب.
لا بدّ من التصديق أنّ نقطة الانطلاق لكلّ دعوة نبويّة هو اختبار تجلّي داخلي.
والروح هو الذي يحوّل الإنسان العادي إلى إنسان “آخر”، إلى نبيّ الله.
موسى لا يتسلّم مركز سلطة، بل مركز خدمة : خدمة الكلمة – وخدمة الإنسانيّة الخاطئة.
هل للنبيّ حريّة الاختيار؟ وهل له مجال للرفض ؟
ما من دعوة نبويّة إلا وتحمل واجباً يُلزم النبيّ معنويّا. تضمّنت دعوة موسى جاذبيّة لا مفرّ منها. جاذبيّة جعلته في علاقة حميمة مع الله ووسيطاً بينه وبين قومه – وذلك في سبيل رسالة لا شكّ أنّها تخطّىت إدراكه وإرادته : رسالة تأنيب وقضاء، تعزية وسلام. وهذه دعوة كلّ نبيّ.