إنّ عشاء الربّ الأخير يُغلّفه ، بكليّته ، الجوّ الفصحيّ الذي يصفه سفر الأحبار ، وهو جوّ ذبيحة الخروف الفصحيّ ( 1 كور 5 : 7 ) . وكذلك فالربّ ، الذي يبارك بعمل كهنوتيّ ، بوصفه الكاهن الأعظم للعهد الجديد ، يدخل في مجده ليحيا قائمــــًا من الموت وليكون ينبوع القيامة في وسط كنيسته . أمّا الرسالة إلى العبرانيّين ، وهي ليست سفرا غريبًا عن تعليم الإنجيل ، فهي تجد في الربّ مختصـــرًا لتصوّرات العهد القديم المسبقة كلها . واليوم أيثضا في الكنيسة ، يستند العديد من أعمالنا ورُتبنا إلى سفر الأحبار ، والكثير من كلماتنا وعاداتنا . إلاّ أنه ، بالرغم من هذا التشابه ، فكلّ شيء هو مختلف في ضوء الفصح . إذ إنّ الربّ قدّم ذاته بموجب طريق الطاعة لله أبيه ، وفي روحه الذي هو محبّة ، أحبّنا نحن إخوته حتى إنه مات على الصليب . فمجمل سرّ الجدّة الفصحيّة يقوم على عطيّة ذاته هذه في شخصه ، شخص الربّ ، وفي قلبه . فكهنوت الربّ لا يتحقق في رتبة معيّنة أو في عبادة ، بل في حدث الفصح العظيم الذي فيه جاد بحياته ، لكي تكون للبشر الحياة الحقّ دومــا وتكون لهم وفيرة . وأي إنسان على الإطلاق لن يكون بغنىً عن وساطة الربّ الفصحيّة هذه ، وأيّ إنسان لن يستطيع أن يضع نفسه مكان الربّ ، المصلوب والقائم من الموت ، لكي يكون وسيطـــًا بين الله والبشر .
إنّ خليفة اللاويّين ، أبناء هارون الكثار ، هو الربّ ، الكاهن الأوحد الحقيقيّ للعهد الجديد : ” إنّ الله واحد ، والوسيط بين الله والناس واحد ، وهو إنسان ، أي المسيح يسوع الذي جاد بنفسه فدىً لجميع الناس ” ( 1 طيم 2 : 5 ) . ولكي يستطيع المسيحيّون قبول هذه الوساطة الوحيدة بشكل صريح ، وبالتالي تحويل العالم إلى ملكوت الله ، أراد أن يحتاج إلى ” خدمة العهد الجديد ” . هؤلاء ، بموجب دعوتهم ورسالتهم الخاصّة ، مكلّفون بإعلان حضور الربّ الفاعل ، الوسيط الوحيد بين البشر . ومجمل ديناميّة الشعب الكهنوتيّ للعهد الجديد تتأصّل في وساطة الربّ الكهنوتيّة . ووظيفة الكهنة ورؤساء الكهنة تقضي بجعل تلك الوساطة مرئيّة وفاعلة في الخدمة وفي المشاركة مع شعب الله . فالربّ أراد أن يكون بحاجة إلى قوانا ، إلى أشخاصنا ، بما يمتلكون من غنىً وضعف ، ليتابعَ وساطته الوحيدة بين الله والبشر .
إنّ التأمل في الكتاب المقدّس ، بحسب ما تقترحه الكنيسة ، يحثّنا على ” الولوج إلى ذواتنا ” ، فنتفحّص إلى أيّ مدىً تقوم وظيفتنا على خدمة شعب الله وإلى أيّ حدّ تساهم فعليّا في بناء تلك المشاركة التي هي الكنيسة . وهذا لن يكون أمرًا محتمل الحصول إلاّ نتيجة فعل شكر للربّ الذي تنازل واختارنا لنكون ، في الكنيسة وبواسطتها ، ” خَدَمَة كهنوت العهد الجديد ” ، وهذا الكهنوت هو الربّ نفسه ، رئيس الكهنى الجديد والوحيد . وكما أنّ الربّ استعمل ، في وساطته الوحيدة ، أعمال العهد الأوّل وكلماته ، وقد حوّله مع ذلك إلى عهد جديد ، كذلك تستعمل خدمتنا الكهنوتيّة بعض تعابير القانون الكهنوتيّ القديم ، وروحانيّة سفر الأحبار . فعندما نربط بين العهدين ، نريد بهذا أن نسلّط الضوء على خدمتنا كلمة الله ، وعلى تعلّقنا الشخصيّ بالهيكل الوحيد الذي هو المسيح وعلى مهمّتنا إعطاء البركة ، بركة الله عينها .