سكاتولينى والثورة الدينية

انتبهوا إلى هذا المفكر. إنه ملتزم بإحداث ثورة دينية. اسمه مع لقبه الأب الدكتور جوزيف سكاتولينى أستاذ التصوف الإسلامى بالمعهد البابوى للدراسات العربية والاسلامية بروما. أهدانى فى 30 – 12 – 2014 ثلاثة من مؤلفاته وكلها فى التصوف. صدر منها اثنان فى عام 2013 أحدهما تحت عنوان “ديوان ابن الفارض” والآخر تحت عنوان “التجليات الروحية فى الاسلام”، أما الثالث فعنوانه الرئيسى “تأملات فى التصوف والحوار الديني”، وعنوانه الفرعى “من أجل ثورة روحية متجددة”. والثلاثة من منشورات “الهيئة المصرية العامة للكتاب” وهى إحدى الهيئات الكبرى بوزارة الثقافة. 

Share this Entry

قال عنه الراحل الدكتور محمود عزب مستشار الإمام الأكبر شيخ الأزهر فى تقديمه للكتاب الثالث: “للأب سكاتولينى تاريخ طويل فى علاقته بالحوار وإسهامه فى لقاءات عملية بين أهل الأديان والثقافات فى عواصم الشرق والغرب. وقد عرفناه عن قرب وخبرناه كفاءة عالية فى هذه اللقاءات. إذ هو يؤكد حقيقة يتفق فيها مع رؤيتنا فى مركز الحوار بالأزهر الشريف ومفادها أن العقيدة ليست موضوع حوار. ففى رأيه أنه “يجب على كل طرف أن يدخل فى الحوار الدينى الخاص بغير تنكر، إلا أنه فى نفس الوقت يجب أن ينفتح كل طرف من أطراف الحوار من داخل إيمانه على التعرف بل التفاهم والتبادل مع الآخر المختلف. فهذا الاختلاف يمثل بلا شك غنَى للحوار الدينى لا تقصيراً فيه. ومن هنا يجب أن أترك للقارئ فرصة الدخول مباشرة إلى عالم الحوار عند الأب سكاتولينى وأن يحاوره وهو يقرؤه وأن يفيد منه”. 

والسؤال اذن: 

إذا لم تكن العقيدة موضوع حوار بين أهل الأديان فى رأى سكاتولينى فماذا يكون موضوع الحوار؟ 

الحوار، فى رأى سكاتولينى ينبغى أن يكون أساسه الاتفاق لا الافتراق. وحيث إن العقائد تفرق فهى اذن لن تكون صالحة لأن تكون موضوعاً للحوار، إنما الذى يكون صالحاً هو الحياة الروحية الصوفية المشتركة بين الأديان العالمية. إلا أن هذا الحوار الصوفى الذى دعا إليه سكاتولينى ومارسه لم يكن هو أول حوار من هذا القبيل، فقد سبق أن دعا إليه المستشرق الفرنسى لويس ماسينيون (1883 – 1962) فى الأربعينيات من القرن الماضي. 

فى عام 1946 دعانى الأب قنواتى للانضمام إلى “جماعة إخوان الصفاء” وهى جماعة نشأت فى القاهرة

فى يناير 1941، وكان من أعضائها الأب عيروط والشيخ محمد يوسف موسى والشيخ محمد بدران ومحمود الخضيرى وعثمان أمين. وفى مقدمة هؤلاء لويس ماسينيون الذى كان يعتبر الأب الروحى للجماعة وللحوار الإسلامى المسيحي، إذ ارتأى أن ثمة تماثلاً بين التصوف الإسلامى والتصوف المسيحى متجسداً فى المتصوف المسلم الحسين بن منصور الحلاج المشهور عنه هذا القول المفارق “أنا الحق” الوارد فى كتابه الطواسين والذى نشره ماسينيون فى عام 1913. وفى رأيه أن هذا القول معناه “أنا الحق الخالق”. وهذا المعنى يشير إلى ثنائية الطبيعة الالهية: اللاهوت والناسوت. وهو مصطلح نقله الحلاج عن المسيحيين السريان الذين استعملوه للدلالة على طبيعتى المسيح وعبَر عنه الحلاج شعراً على النحو الآتي: 

أنا مـَنْ أهوى ومَنْ أهوى أنا 
نحن روحان حللنا بدنا 
فإذا أبصرتنى أبصرته 
وإذا أبصرته أبصرتنا 
وبعد ذلك ألف ماسينيون كتاباً من جزءين عن الحلاج عنوانه: “عذاب الحلاج شهيد التصوف فى الاسلام” (1922). وهو بالفعل شهيد لأنه بسبب رأيه فى “الحق” سُجن فى عام 1913 وأُعدم فى عام 1922 بدعوى أنه كافر. 
أما أنا فقد تصورت أن الحوار الإسلامى المسيحى المستند إلى التصوف يدخل فى تناقض مع ما كان يموج به المجتمع المصرى من ارهاصات ثورية تنبئ عن تغيير مرتقب فى نظام الحكم فانسحبت من “الجماعة” فى عام 1948. وقد حدث هذا التغيير المرتقب فى ثورة يوليو 1952. وبعدها أصدر الرئيس عبدالناصر قراراً بإلغاء هذه “الجماعة”. ولكنها أعيدت مرة أخرى بقرار من الرئيس المؤمن أنور السادات فى عام 1978 تحت مسمى “الإخاء الديني”. 
والسؤال اذن: 
لماذا الالغاء ولماذا الإعادة؟ 
جوابى أن السبب فى الحالتين مردود إلى علاقة كل من الرئيسين بالكتلة الشيوعية. كان ناصر منحازاً لها وكان السادات معادياً لها. وجماعة إخوان الصفاء معادية لها، والحوار الصوفى الإسلامى المسيحى كفيل بالمساهمة فى القضاء عليها، وقد كان. ففى عام 1991 انهارت الكتلة الشيوعية. 
والسؤال بعد ذلك: 
مَنْ هو العدو القادم للحوار الصوفى الذى يدعو إليه سكاتولينى؟
قبل الجواب عن هذا السؤال يحدد سكاتولينى معنى الحوار على النحو الآتي: لفظ حوار فى اللغة اليونانية القديمة مكون من مقطعين: المقطع الأول dia يعنى “بين”، والمقطع الثانى logos ويعنى “العقل”. ومعنى ذلك أن الحوار يدور بين طرفين استناداً إلى العقل، وهو على ثلاثة مستويات: المستوى الأول يكمن فى حوار الانسان مع ذاته، والمستوى الثانى يكمن فى حواره مع غيره من بنى البشر، والمستوى الثالث يكمن فى حواره مع المطلق. ومعنى ذلك أيضا أن الحوار متجذر فى الانسان، ولكنه فى المستويات الثلاثة ذو طابع صوفي، والمستوى الثالث هو أهم المستويات الثلاثة لأن الانسان هو الكائن المدعو إلى اللقاء مع أساسه وهو المطلق الذى هو غاية الانسان من رحلته عبر الزمان. إلا أن هذا المطلق ينكشف له على أنه فى آن واحد هو “مطلق الضرورة للإنسان”، أى لا غنى عنه فى وجوده، وهو مستقل عنه بمعنى أنه لا يمكن للإنسان الالتقاء به إلا بموافقته. 
وبعد تحديد هذه المستويات الثلاثة للحوار يحدد سكاتولينى عدو ذلك الحوار، وهو فى رأيه السوق الكوكبي. فما معنى هذا المصطلح؟. 

Share this Entry

D. Murad Wahba

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير