هل تعرف ما هو "شيطان الظهيرة"؟

الضجر (شيطان الظهيرة) ، والقديس أنطونيوس الكبير ….

Share this Entry

إنّ الضجر ظاهرة في حياة البريّة ، وقد اختبره أنطونيوس الكبير نفسه . ” فيما كان أبّا أنطونيوس ساكنا في البريّة ، انتابه الملل والضجر والأفكار القاتمة ، فقال لله : ” يا ربّ ، أريد أن أخلص ولكنّ الأفكار  لا تتركني ، فما العمل في ضيقي ؟ كيف أخلص ؟ ” .  وبعد قليل قام ليخرج ، فرأى رجلا مِثله ، جالسًا يعمل في ضفر الحبال ، ثمّ ينهض من عمله ليصلّي . ثمّ يعود ويضفر ثانية ، ثمّ يعود للصلاة . وكان هذا ملاك الربّ ، قد أرسله لإرشاده ووقايته . ثمّ سمع أنطونيوس الملاك يقول : ” اعمل هكذا تخلص ” . فلمّا سمع هذا الكلام ، فرح جدّا وتشجّع وعمل بما سمع فخلص .

 إنّ الضجر باليونانيّة (Acedia) اختبار يختبره البشر بعامّة والرهبان بخاصّة ، ولا سيّما رهبان البريّة والجبال ، بسبب رتابة حياتهم وتكرار صلواتهم وأفعالهم ومعاملاتهم اليوميّة . وإنّ هذا الضجر هو حالة ملل ولامبالاة وتشتّت الفكر وجفاف وكسل ، ففقدان الشجاعة ، والرغبة في تغيير المكان بحثا عن السعادة … وهذه الحالة تتضخّم بقدر ما يشعرون بها في جميع أفعالهم وتصرّفاتهم ، وعلاقاتهم ، وفي صلاتهم ، وجهادهم ، وفي إيمانهم وأفكارهم … ويسمّيه الكتاب المقدّس  ” شيطان الظهيرة ” (مز 91 : 6 ) .

فما معنى رمزيّة الظهيرة ؟ إنه يتعارض ورمزيّة الليل  ،  ذلك بأن الليل ، في الكتاب المقدّس ، هو وقت الصمت فالنهوض من النوم لتسبيح الله ، وللعودة إلى عمق الذات بغية اكتشاف مرجعها الأخير وهو الله ؛ لذلك يذكر المزمور عينه ” السكنى في ظلّ القدير ” ؛ وبالرغم من سواد الليل ، فكلّ شيء واضح ، وضوح العلاقة الأصيلة بالله ، ومن ثمّ ديمومة هذه العلاقة .

أمّا الظهر ، فهو وقت الشرير الذي يتزيّا بزيّ الله ، إذ إنه يوهم الإنسان بأنه في وضوح مع نفسه ومع الله ومع الآخرين ، بيد أنه يضلّله فعلا بحَيله الكاذبة ، إذ يُغريه بإغراءات الخروج من صمت الصلاة للحديث إلى الآخرين – ويسمّيه آباء البريّة : الثرثرة ، أو بتغيير العمل والنشاط ، بل  وبنمط الحياة ؛ أو بقراءة حياته الماضية أو المستقبلية قراءة هي الأخرى مزيّفة …. ؛ وبقصير العبارة ، يوهِم الشيطان الإنسان بأن سعادته ليست هنا والآن ، بل فيم كان آخر ووقت آخر ، وذلك كلّه إذ إنّ الشيطان يأتي من بعيد ثمّ يعود إلى مأواه ، لأنّ سُكناه ليست في أماكن الصلاة ، فجميع ما يفعله ويوحي به ما هو إلاّ عابر ، على نقيض ديمومة الحياة مع الله التي تدفع إلى الأمانة للواقع ، من دون الهروب منه ، إلى الأمانة للمكان والحاضر وللزمان الحاضر .

ولشدّة هذا الإختبار الإنسانيّ ، صاح أنطونيوس : ” كيف أخلص ؟ ” ، وأجابه الملاك أن الخلاص يمكن في المواظبة على الصلاة والعمل ، وهما ركيزتان أساسيّتان في حياة كلّ إنسان ولا سيّما الراهب . (لقد خصّصت الأساطير اليونانيّة الإله Pan  ليكون إله الطبيعة الراكدة التي لا تتحرّك ولا تتغيّر ولا تتجدّد ؛  بل تظلّ في الجمود والخمول . كنا أسهبت الفلسفة الوجوديّة في وصف ” العدم ” و ” القرف ” و ” القيء ” و ” القلق ” … وهي تعابير تصف اختبارًا إنسانيّا عميقا ليس بالغريب عمّا نحن بصدده . كما أن علم النفس حلّل ” شيطان الظهيرة ” وهو منتصف عمر الشخص حيث تطرأ تحوّلات في الشخص تجعله يشكّ في قيمة حياته وإنجازاته  ، ولا سيّما قدراته الجنسيّة والعاطفية … ومن ثمّ فيُريد تغيير مسار حياته الشخصيّة في الزواج – أو في الخدمة الكهنوتيّة أو الحياة الرهبانيّة . والمهنة والعلاقات . وقد يتمّ ذلك بهدوء أو بصراع عاصف . 

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير