حِوَارُ مَرِيضِ بَيْتِ حَسْدَا (المُخَلّع)

جاء الطبيب السماوي الفريد دون أن يطلبه المفلوج؛ ليسأله إن كان يريد البرء؟! إلتقى به عند بيت حسدا ذات الأروقة الخمسة؛ إشارة إلى كتب موسى الخمسة (الناموس) الذي يفضح الخطية. وقد عجزت الذراع البشرية عن شفاء هذا المفلوج عند البركة لمدة ٣٨ عامًا… لكن المسيح وهبه الشفاء في بيت حسدا التي تعني (بيت الرحمة)…

Share this Entry

صعد الحكمة يسوع مخلصنا إلى أورشليم، وعند بركة الشفاء أعطى الحياة للبشرية بتحريك (الماء) بواسطة آلامه المخلصة المحيية؛ حيث بيت الضأن ذات الصلة بذبائح الهيكل.. وكان هناك جمهور كثير من المضطجعين المرضى والعميان والعُرج والعُسم الذين يتوقعون تحريك المياه الحية الجارية؛ والتي هي سبق تصوير لنعمة المعمودية؛ التي تتقدس بفعل روح الله القدوس؛ إذ أن هذه المياه شافية بفعل رب الملائكة؛ ولا يُشفى منها إلا مَن يقبل الشفاء والتطهير عبر الوحدة التي للكنيسة الواحدة الوحيدة، فمن يأتي خارجها وخارج وحدتها لا يُشفىَ ولا يتطهر… فالمعمودية تعيد مشلول الخطية؛ صحيح الروح معافىً؛ حاملاً شهادة حياته المائتة السابقة على ظهره؛ تاركًا ما هو وراء ليمتد إلى ما هو قدام.

هذا المقعد ذو الثماني والثلاثين سنة؛ الذابل الساق؛ صار يسير بقوة؛ حاملاً سريره على ظهره، بعد أن شفاه رب الناموس والوصايا، لأنه هو الماء الحي الذي يعطي الحياة ويُقيم من الموت؛ عوض بركة بيت حسدا؛ الذي عز الشفاء على مريضها. قضى أكثر من نصف عمره عند البركة مشلولاً ومنطرحًا، محطمًا وبائس النفس؛ لكنه وجد رجاءه وشفاءه وخلاصه؛ عندما اختاره الرب وأجرى فيه آيته المجانية؛ لتنفتح عيناه وأذناه ويقفز كالإيّل؛ ويترنم ويهتف لسانه الأخرس من بعد الانحناء والانطراح.

كانت إرادة هذا المقعد حاضرة من أجل أن يبرأ؛ بعد زمن ذلة المرض والكساح وضمور الشلل.. إلا أنه للحال قام وحمل سريره ومشى وبرئ؛ بكلمة واحدة صادرة من الكلمة؛ أحيت العاجز وشددت أوصال جسده المخلع والمنحل؛ وكذا حرّكت عضلاته الضامرة، فدبّت فيه وسرت قوى الحياة؛ واستقام ظهره الذي انحنى تحت عبء السنين الطوال؛ وحمل ثقل سريره، فصار ماضيه الحزين وراء ظهره كقصة وشهادة؛ وهذا هو حال كل من يصدّق ويؤمن بكلمة المسيح إلهنا (من صدّق خبرنا( ولمن استُعلنت ذراع الرب).

فبالكلمة التي خرجت من فم الكلمة اللوغوس؛ التي هي روح وحياة وقوة؛ شُفي هذا المقعد؛ بل وكل مقعد وكل مرضى الأرواح والأجساد والنفوس.. حتى الأموات التي تسمع صوت ابن الله فتحيا؛ وكل موتى الخطية حالما يسمعون صوته يقومون ويصحّون ويفرحون، فهو يعطي الحياة لمن يشاء؛ ولكل مَن يسمع صوته ويحيا.. فيا لعظمتك يا رب!! تعطي شفاءك بالأمر الإلهي المباشر (قُم؛ احمل؛ امشِ).. فقلت للمخلع قُم؛ فقام وطفر فرحًا؛ وحمل سريره الرث في يوم سبت؛ لأنك أنت رب السبت والحرية.. وأنت الذي تُبطل قيد الحرف؛ وتنقلنا إلى روح الوصية وعمل ذبيحة الرحمة؛ وفك الأسر بروح القيامة واليقظة؛ كعلامة أبدية للإطلاق..

إننا أيضًا مخلعو النفس والروح؛ فليتكَ تأتينا لتأمرنا بالقيام والنهوض من كل سقطة.. إننا لا ننتظر ملاكًا؛ لكننا ننتظر ابن الإنسان المتجسد رب الملائكة؛ الذي جاء من أجلنا ليحررنا ويعتقنا؛ لأنه لم يأتمن أحدًا على خلاصنا؛ لا ملاكًا ولا رئيس أنبياء. ونحن إذ عرفناه كإبن الإنسان؛ لذا قبلناه كإبن الله الوحيد.. فإن لم نعِشْ الإنسانية فلن نعاين التقديس؛ لأن الترابي أولاً ثم السماوي، ولأن الذي صُلب وقُبر هو ذاته الذي قام وصعد وملك في السموات؛ وسيأتي أيضًا في مجده ليدين الأحياء والأموات.. وكل من يخضع له ويستجيب؛ يقوم من قعوده وشلله؛ ويتقبل شفاء الخلاص ويستمع إلى صوته الحلو: (ها أنت قد برئت؛ فلا تخطئ لئلا يكون لك أشرّ).

إننا يا سيدنا ليس لنا إنسان يلقينا في الماء؛ إنما نتطلع إلى حضورك الإلهي كي تشفي نفوسنا الشقية بجملتها، فأنت حي ولا تزال تعمل حتى الآن؛ ولن تتوقف عن عملك قط؛ كي تعرّفنا بسر مشيئتك وقصدك، وكي تجمع كل شيء فيك؛ وتخلق أعمال الخلق الجديدة؛ فتُدخلنا راحتك؛ وتُظهر فينا قوتك ومجدك؛ فلا نعود نُفسد خلقتنا بعمل الشر؛ لأنك رفعت عنا لعنتها المفسدة؛ وصيّرتنا أطهارًا بروحك القدوس؛ أصحّاء؛ مجددّا ومحييًا خلقتنا لتكون على مثال صورة مجدك.

Share this Entry

القمص أثناسيوس جورج

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير