عاون غبطتَه في هذا القداس، نيافةُ مار نيقولاوس متى عبد الأحد مطران الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة في إسبانيا، وسيادة المطران يوسف توما رئيس أساقفة كركوك للكلدان، والأب حبيب مراد أمين سرّ البطريركية.
شارك في القداس مطارنةٌ من الكنائس الكلدانية واللاتينية، وعددٌ من الكهنة، وجميع المشاركين في المؤتمر، إضافةً إلى حشودٍ غفيرةٍ من المؤمنين ضاقت بهم الكاتدرائية على رحبها وناهز عددهم ألف شخصاً، يتقدّمهم سعادة السفير العراقي في إسبانيا الدكتور وديع البتّي وهو من أبناء الكنيسة السريانية، وشارك أيضاً أعضاء رعية الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مدريد.
بعد الإنجيل المقدس، ارتجل عبطة أبينا البطريرك موعظة قيّمة وبليغة، شكر في مستهلّها جميع المنظّمين والمشاركين في المؤتمر، مثنياً على تضامنهم مع مسألة الحضور المسيحي في الشرق، طالباً منهم “التكاتف والتعاضد بخطواتٍ عمليةٍ تهدف إلى إعادة السلام والأمان إلى الشرق”.
وتطرّق غبطته إلى ما يعانيه “إخوةٌ وأخواتٌ لنا في الشرق في هذه الأيام العصيبة، خاصةً في سوريا التي تتالّم من الحرب التي تدمّر بشرها وحجرها منذ أكثر من أربع سنوات”، ذاكراً خاصةً “الأوضاع المأساوية في حلب، وما تعرّض له أبناء شعبنا في الخابور في الجزيرة السورية”. وتطرّق أيضاً إلى الأوضاع في العراق، “سيّما الإقتلاع القسري لأبناء شعبنا في الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى، ونزوحهم وهجرتهم وأوضاعهم المأساوية”.
وسأل غبطته الحاضرين أن يكونوا “صوتاً صارخاً في برية الغرب المتحضّر، لنصرة قضايا المسيحيين الذين يعانون ويتألمّون في الشرق، والمهدَّدون في عمق وجودهم في أرض الآباء والأجداد، وهم أصحابها وسكّانها الأصليون”.
وإذ شكر غبطته “الشعب المؤمن في إسبانيا وفي الغرب لمساندتهم ودعمهم لإخوتهم وأخواتهم المسيحيين المتألّمين والمعذَّبين في الشرق”، ناشدهم “كي يتحلّوا بالجرأة، فيطالبوا المسؤولين المنتخَبين أن يبذلوا قصارى جهدكم كيلا تتكرّر في أيامنا هذه تلك المجازر التي ارتُكبت سابقاً بحق المسيحيين”.
واستذكر غبطته “مجازر الإبادة الجماعية التي تعرّض لها السريان والأرمن والكلدان والآشوريون والروم، بمناسبة ذكراها المئوية الأولى”، سائلاً الله الرحمة لأرواح الشهداء الأبرار، ومستخلصاً العبر من شهادتهم، إذ أضحت دماؤهم بذاراً للإيمان، ومصلّياً “ليحلّ السلام والأمان والطمأنينة والإستقرار في الشرق، حتى لا يعيد التاريخ نفسه لا سمح الله”.
ولم ينسَ غبطته أن يطالب “كلّ المسؤولين في الشرق والغرب، محلّياً وإقليمياً ودولياً، بالعمل الحثيث والجادّ لإطلاق سراح مطرانَي حلب المخطوفَين مار غريغوريوس يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي، وها هي الذكرى السنوية الثانية لاختطافهم تحلّ بعد ثلاثة أيام في الثاني والعشرين من نيسان”، ومعهم طالب غبطته “بإطلاق سراح جميع المخطوفين من كهنة وعلمانيين أبرياء”.
وفي ختام موعظته، أكّد غبطته “أننا أبناء الرجاء، وأنّ رجاءنا لا يخيب، لأنّه مؤسَّسٌ على صخر الدهور، الرب يسوع المسيح القائم من الموت، والذي غلب بقيامته الآلام. لذا فإنّنا على ثقةٍ كاملةٍ ويقينٍ راسخٍ بأنّ فجر القيامة لا بدّ وأن يشرق، فالقيامة هي بالنسبة لنا نحن المؤمنين بالمسيح القائم تتويج للآلام والموت”، مصلّياً ومتضرّعاً “إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّه وأمّنا مريم العذراء سيّدة الرحمة التي تحضننا وتساعدنا في هذه الأزمنة الصعبة، أن يجعل الأمن في المسكونة مالكاً والسلام في الأرض زاهراً”.
وبعد القداس، التقى غبطته بالمؤمنين وباركهم، ليستعدّ لمغادرة مدريد إلى برشلونة.