"نحن المسيحيون والمسلمون تجمعنا أمور كثيرة مشتركة، كمؤمنين وكبشر. فنحن نعيش في العالم نفسه المطبوع ببوادر أمل كثيرة ولكن أيضاً بمؤشرات قلق عديدة… إننا نؤمن بالإله نفسه، الإله الواحد، الإله الحي"

كلمة الكاردينال مورفي أوكونور إلى المجلس الإسلامي (2)

Share this Entry

كارديف، بلاد الغال (ويلز)، 19 يونيو 2007، (Zenit.org)- ننشر في ما يلي القسم الثاني من كلمة الكاردينال مورفي أوكونور إلى المجلس الإسلامي في بلاد الغال (ويلز) التي ألقاها بتاريخ 9 يونيو في جامعة كارديف.
* * *
إن الأمر الأساسي الذي يوحدنا لا يكون دائماً بديهياً للناس، ولكنه أمر شدد عليه البابا يوحنا بولس الثاني عندما توجه إلى تجمع حاشد لشباب مغاربة في مدرّج في كازابلانكا في العام 1985 حين قال: “نحن المسيحيون والمسلمون تجمعنا أمور كثيرة مشتركة، كمؤمنين وكبشر. فنحن نعيش في العالم نفسه المطبوع ببوادر أمل كثيرة ولكن أيضاً بمؤشرات قلق عديدة… إننا نؤمن بالإله نفسه، الإله الواحد، الإله الحي، الإله الذي خلق العالم والذي يحمل مخلوقاته إلى ملء الكمال.” لقد تحدث بطريقة مؤثرة إلى هؤلاء المسلمين الشباب عن الإيمان: “أود أن أتحدث إليكم عن الله نفسه، فوق كل شيء؛ عنه هو، لأنه هو من نؤمن به، أنتم المسلمون ونحن الكاثوليك…” وكرر لهم سبب زيارته: “أنا آتي إليكم اليوم كمؤمن. وما أريده بكل بساطة هو أن أشهد اليوم على ذاك الذي أؤمن به، وعلى ما أتمناه لرفاه الشعوب، إخوتي، وعلى ما أعتبره، إستناداً إلى خبرتي، مفيداً للجميع”.
ويروقني أن الكلمة إلى الشباب المسلمين في كازابلانكا قد ركزت على ما يجمع بين المسيحيين والمسلمين فوق كل شيء آخر، وهو إيمانهم بالإله الواحد واعتبارهم أن الله خالقهم. ولكن على المرء أن يكون أيضاً منفتحاً على الإختلافات، كالإختلاف بين المسيحيين والمسلمين في طريقة فهم ما يُقصَد بالإيمان بالإله الواحد على سبيل المثال. فطوال قرون عديدة، دهش المسلمون لسماعهم المسيحيين يعلنون أنهم يؤمنون بإله واحد مثلهم، ثم يبدأون بالحديث عن الله الآب والإبن والروح القدس. وعلى كل شخص منخرط في الحوار اللاهوتي بين المسلمين والمسيحيين أن يقبل بأن مسألة الثالوث يمكنها أن تشكل حجر عثرة.
والأهم بشكل خاص في أي حوار بيننا هو احترامنا للحقيقة، وبخاصة أمانتنا لهويتنا. فالحوار يصبح مثمراً فقط عندما يشعر كل الأطراف بأنهم قادرون على إعلان ما يؤمنون به أو ما يحدد هويتهم كمسلمين أو مسيحيين. وهذا يفترض بالطبع القدرة على الإصغاء من دون تصحيح وجهة نظر الشخص الآخر واستعداد لقبول التنوع معاً مع رغبة في التعلم من الآخر من دون الشعور بتاتاً بأنه يتمّ الإستخفاف بمعتقداتنا وقناعاتنا أو أنها تتعرض للإنتقاد.
وإذا ما رجعتُ في ذاكرتي إلى سنوات الدراسة، تذكرتُ تقليداً شائعاً للنقاش، حيث كانت القاعدة الرئيسية تخصيص الاحترام الكامل للمحاور الآخر، وفي الوقت عينه الشعور بملء الحرية تجاه إخضاع الأفكار الخاصة للنقاش . ولعلّ ذلك كان تدريباً جيداً على أصول الحوار الحقيقي حيث للإحترام أهمية قصوى ويمكن أن يدور نقاش مفتوح وصريح حول كل ما يقوله أي شخص. إن نصاً غاية في الأهمية حول هذا الموضوع يرد في رسالة القديس بطرس الأولى التي تعطي هذه النصيحة: “وكونوا دائماً مستعدين لأن تردّوا على من يطلب منكم دليل ما أنتم عليه من الرجاء، ولكن ليكن ذلك بوداعة ووقار”.

عالم الغد؟
إن الأعمال التي نقوم بها اليوم ستحدد صورة العالم الذي سينمو الأطفال فيه غداً. فماذا عسانا نفعل معاً لنضمن أنهم سيتمكنون من الترعرع والنمو بشكل متكامل كأشخاص بشريين ومؤمنين في عالم الغد؟ لديّ اقتراحات ثلاث أعرضها عليكم.
1. الإقتراح الأول لست أنا صاحبه ولكنه اقتراح يعني لي الكثير وأعتقد أنني أعرف السبيل لتطويره معاً. لا يخفى عليكم أنه بين الحين والحين تنعقد اجتماعات لممثلي الأساقفة في العالم وهي تسمى سينودس. وقد دعا البابا يوحنا بولس الثاني إلى اجتماعات سينودس خاصة بكل قارة. فانعقد سينودسان لأوروبا وبعد السينودس الثاني أصدر وثيقة بعنوان “الكنيسة في أوروبا” Ecclesia in Europa. وفيها تقييم للوضع الراهن وبعض الأهداف المحددة للكنيسة.
وفيها نقرأ: “ثمة حاجة واحدة على أوروبا أن تلبّيها إن أرادت الحصول على وجه جديد فعلياً: لا يمكن لأوروبا أن تتقوقع على نفسها… بل على العكس، عليها أن تبقى واعية تماماً على حقيقة أن دولاً أخرى وقارات أخرى تنتظر مبادراتها الجريئة من أجل أن تحصل الشعوب الأكثر فقراً على مقومات نموها وتنظيمها الإجتماعي ومن أجل بناء عالم أكثر عدالة وأخوة”. وإنجاز هذه المهمة على أكمل وجه يتطلب “إعادة النظر في التعاون الدولي على ضوء ثقافة تضامن جديدة… وكذلك على أوروبا أن تصبح شريكاً ناشطاً في تعزيز وتفعيل العولمة في التضامن. ولا بدّ أن يتزامن ذلك مع…نوع من عولمة التضامن وقيم الإنصاف والعدالة والحرية ذات الصلة””.
وأعتقد أن فكرة عولمة التضامن مذهلة بحق، كما يسرّني أن أقول إن الوكالة الكاثوليكية للتنمية الدولية (كافود) قد أطلقت مشروعاً بعنوان “عِش ببساطة” يرمي إلى مساعدة الشعوب على التضامن مع الفقراء. ولطالما استوقفني أن الإسلام يطلب من أتباعه إلتزاماً مماثلاً بالتضامن مع الفقراء. وقد يبدو ذلك جلياً من خلال فكرة قيام نظام مصرفي يعمل وفق تعاليم الإسلام الأساسية.
وأنا لا أقول إنه عليّ أن أفتح حساباً في مصرف إسلامي، بل إنه لعله حان الوقت لكي يوحد الإقتصاديون المسيحيون والمسلمون جهودهم لنرى ما يمكن أن نتعلمه من خبراتنا المتبادلة في مجال الإلتزام الصادق في التضامن مع الفقراء. إن قراءة الصحف أو مشاهدة الأخبار على شاشة التلفزيون يجعلني أرتاع لمجرد التفكير في مصير هذا العدد الهائل من الشعوب في العالم الذين يعيشون في هذه الحالة المريعة. ولكنني أش
عر بانزعاج أكبر وبالذنب إن لم أستطع التحرك حيال هذا الأمر. فأقوم بما قدّرتُ عليه وأعتقد أن هذه حالنا جميعاً ولكن ينتابني شعور بأننا نستطيع إنجاز المزيد المزيد إن عملنا معاً.
2. والخطوة الثانية التي يمكننا اتخاذها معاً لتحسين حالة عالم الغد من أجل أطفالنا هو العمل لتفعيل الحرية الدينية الحقيقية. وقد ذكرتُ للتو أن العديد من المسلمين البريطانيين يشعرون بسوء تمثيلهم أو أقله بأنه يساء فهمهم في وسائل إعلامنا وفي أوساط الرأي العام. لستم الوحيدين الذين يساورهم شعور كهذا، ولكن للأسف في الوقت الراهن يتعرض الإسلام لانتقادات أكثر من المسيحية أو غيرها من الأديان. والأسوأ من ذلك أننا في بعض الأحيان قد نشعر جميعاً أننا لسنا مقموعين أو مرغمين على السكوت، ولكننا على الأكيد لسنا أحرار للتعبير عن قناعاتنا الراسخة، أحياناً لأسباب مرتبطة بما يسمى بالصوابية السياسية وحسب.
أظن أن هناك سبلاً للعمل مع أولئك الذين يشكلون الرأي العام لحل الكثير من هذه المشاكل، وأنا أكيد من ضرورة القيام بذلك معاً. في آخر مجمع بارز للكنيسة الكاثوليكية، وهو المجمع الفاتيكاني الثاني الذي عقد في الستينيات، فوجئ العديد من المراقبين لأن البيان الصادر عن المجمع حول الحرية الدينية لم يكن نداء من أجل الحرية الدينية للكاثوليك بل للحرية الدينية للجميع. فالحرية الدينية تعتبر حقاً طبيعياُ لكل شخص بشري، ويتعين على الحكومات جمعاء أن تبادر إلى احترامها.
ويبدو الناس في غالبية الأحيان متفاجئين لدى سماعهم أن هذا هو التعليم الكاثوليكي، فتراهم يغوصون في التاريخ بحثاً عن إثبات بأن الكنيسة الكاثوليكية لم تعطِ دائماً أفضل مثال على احترام حقوق الشعوب من الناحية الدينية. وقد يكون من السخافة والغلاظة أن ندعي عدم حصول إخفاقات صادمة في هذا الشأن في الماضي، ولكننا هنا بصدد النظر إلى المستقبل وإلى العالم الذي سينمو فيه أطفال الغد. وعلى السواء، قد لا يكون من الصواب التغاضي عن حقيقة أن ثمة أماكن لا يمكن للمسيحيين فيها أن يمارسوا ديانتهم بحرية أو أن يمارسوها بالأساس. في 21 يونيو 1995، بعث البابا يوحنا بولس الثاني بتحية إلى الحاضرين في افتتاح الجامع البهي الذي يطلّ اليوم على مدينة روما. إليكم ما قاله:

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير