” لما فتح الختم الخامس، رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله، ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم” رؤيا القديس يوحنا 9:6
There’s is a grief, that can’t be spoken
There is a pain that goes on and on
Empty chairs at empty tables
Now my friends are dead and gone
هذه الكلمات استقيتها من العمل الروائي الرائع Les Misérables ( البؤساء )لفكتور هيجو ، حيث تستذكر شخصية الشاب ماريوس في المسرحية أصدقائه الذين استشهدوا في الثورة الفرنسية . كلما استمعت لهذه الأغنية أحاول معها أن أتوقف عند ذلك الزمن و تلك المجزرة الأليمة مجزرة كاتدرائية سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في بغداد – العراق . لكن ما باليد حيلة .! ها هي الأيام تمضي و الأعوام تَمرْ و الجراح لا زالت تأن . و كلما أقتربنا من الذكرى أكثر ، ينفتحُ الجرح ذاته و تتعالى الأصوات في داخلي ، أصواتُ الشهداء و أنين المصابيين و معهم يدندن ُ وحيداً صدى صوتي الذي، كان يرنم منفرداً في بعض زياراتي للكاتدرائية . لا أزال اذكر اصوات اصدقائي الذين استشهدوا ( فادي بحودة – سلام اديب – وسام اديب – مهى ناصيف (والدة سلام و وسام ) – سعد ادور ) أني أتذكر ، ضحكاتنا و نقاشاتنا في اللقاءات الروحية داخل الكنيسة . هاي هي الأيام تمضي و أتذكر ، أتذكر روح ذلك ” الثائر ” الطاهر الذي أوصانا أن نكون ” ثوار على الخطيئة ” . هو الذي قال حينما أستشهد و أسلم الروح ، ” أنا شهيد يسوع ” الأب العزيز الشهيد ثائر عبدال . هاي هي الأيام تمضي و أتذكر ، أتذكر روح ذلك ” الوسيم ” الذي بقيَّ مُبتسماً و بالشبيبة متوسماً ، فاتحاً عينه منتظراً ، متمسكاً بكهنوته و ببطرشيلة مُمسكاً ، الأب العزيز الشهيد وسيم القس بطرس . هاي هي الأيام تمضي و أتذكر صديقتي الحبيبة ” نغم جزراوي ” احدى الناجيات من المجزرة ، اتذكر صوتها الشجي في الترانيم و ادائها الرائع الهادي في مسرحياتنا مع كاريتاس العراق ، هذا الصوت الشجي و الهدوء في الاداء تحول في أول مكالمة لنا و هي فرنسا حينما كانت تتلقى العلاج الى انين و بكاء و عدم القدرة على تصديق ما حدث لهم و كانت تقول لي ” الى حد الان لا اعلم كيف خرجنا دون أن نستشهد ” ؟؟!! . ها هي الايام تمضي و تستمر معها الأحزان الصامتة واللالآمُ التي لا تنتهي ، و الاماكن الفارغٌة من وجودهم و صوتهم . فهذا الذي كان مرنم في الكورال كـ ( فادي بحودة) ، و الشماس على مذبح الرب كـ ( نبيل سقط ) ، و الشباب الذين يخدمون في الكنيسة كـ ( سلام و وسام اديب ) . أما نحن ، نحن الذين قد أتخذنا من الغربة مسكناً ، فبين ناريين نعيش ، نارُ الفراق و التشتت و نارُ الألم و الحسرة . لكنَ الحياة تمضي و تمضي دون أن تنتظر. دون أن نشعر، تسربت السنوات الثلاث من بين أيدينا و لا زال الجمر تحت نارها مشتعلاً فينا . و يزاد سعير هذه النيران في قلوبنا كلما تحدثنا مع بعضنا البعض . كليلة البارحة حينما كنت أتحدث مع صديقتي صبا عنائي التي أستشهد زوجها فادي بحودة و والدها نذير عنائي و أصيب بالمجزرة هي و والدتها هناء و أخاها فراس و زوجة اخيها كنا نتحدث عبر الفيسبوك عما حصل في تلك الساعات الرهبية بالتفاصيل و أهٍ من التفاصيل كم توجع . قالت لي في نهاية حديثنا ” أن الرب اختار باقة من أفخر زهور ليزين بها السماء . آه ” عظيمُ أيمانك أيتها المرأة ” ثلاثة أعوام لمجزرة كاتدرائية سيدة النجاة، التي هزت العالم لبشاعتها و تفنن الأرهاب في قتل من هناك . و أنا أسأل نفسي ذات السؤال ، يا ترى ما الذي نمتلكه في الكنيسة حتى يهاجموننا بهذه الوحشية ؟؟!!! أ بسببِ لوحة أمنا العذراء سيدة النجاة التي تتوسط الكنيسة ؟! أم نقش الروح القدس الخشبي الذي كان فوق بيت القربان المقدس ؟! أم هو الصليب الكبير الذي كنا نستخدمه في الزياح ؟! هل هذه كانت أسلحة كُفر ؟!!! و إن كانت كذلك فهي كُفر في وجه الشيطان و أعماله و أباطيله . نعم ، هي كذلك و نقولها بكل فخر . و ختاماً لا يسعني الا ان انهي بكلمات الأب العزيز الشهيد ثائر عبدال : ” أن الإنسان العزيز على القلب يذهب بموته الى ذلك القلب و يسكن فيه ”
و انتم يا ابونا قد سكنتم عمق اعماق القلب بتضحيتكم من أجل كنيستكم .. كنيسة العراق و كنيسة الشرق المسيحي المتألم
أختكم التي لن تنساكم أبداً
وسن وارتانإبنة كاتدرائية سيدة النجاة بالمعموذيةفي الذكرى الثالثة 2013