حلب، الاثنين 14 سبتمبر 2009 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي كلمة المطران يوسف أنيس أبي عاد رئيس أساقفة حلب للموارنة عن رؤساء الطوائف المسيحيَّة في حلب في مأدبة الإفطار الرمضانيّ:
سماحة مفتي الجمهوريَّة الدكتور أحمد بدر الدِين حسّون
الأستاذ عبد القادر المصريّ أمين فرع الحزب بحلب
المهندس علي أحمد منصورة محافظ حلب
أصحاب السيادة والسماحة والفضيلة والسعادة والاحترام
أيّها الإخوة الأحبّاء.
يسرّنا، نحن ممثّلي الطوائف المسيحيَّة في حلب، أن نرحّب بكم في هذا اللقاء العائليّ، الذي يجمعنا اليوم وإيّاكم، على مائدة المحبّة في عشيَّة من عشيّات شهر رمضان الكريم، لكي نعبّر لكم عن مشاركتنا الروحيَّة، في ما أنتم تقومون به، من فعل عبادةٍ لله القُدُّوس، طوال أيّام هذا الشهر المبارَك.
قلت: مشاركة، وليس مجرّد عاطفة أخويَّة. فبعض منّا يحبّ أن يشارككم، لا بالمائدة الرمضانيَّة وحسب، بل بفترة ما قبل المائدة أيضاً. ونحن نقدّر في شخصيّاتكم الكريمة هذا التوق الروحيّ الجليل، النابع من إيمان عميق بالله عزّ وجلّ. وهو يتجلّى في انقطاع عن زاد زمنيّ، من أجل الانقطاع إلى عبادة على مدى يوم بكامله، تحقّق لكم قوتاً روحيّاً وتُغني عالَمنا ببَرَكات إلهيَّة، نحن في أمسّ الحاجة إليها.
قال السيّد المسيح: “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله” (متّى 4/4)… وحده ما يصدر عن هذه العشرة الروحيَّة فيه خير وبِرّ وصلاح، كما يقول الكتاب. وما الصوم والصلاة إلاّ مدخل لهذه الحقائق السامية، التي تجعل إنسانها، في مثل هذا الوقت، مشابهاً أكثر لمَن أوجده على صورته ومثاله، معطاءً ومجّانيّاً.
وعلى هذه الميزة المجّانيَّة عينها، تكلّم قداسة البابا بندكتُس السادس عشر، في رسالته العامّة الأخيرة “المحبّة في الحقيقة”. وهي رسالة موجّهة إلى أبناء الكنيسة، لا بل إلى العالَم كلّه، وبخاصّة إلى ذوي الإرادة الحسنة… وعندنا، أيّها الإخوة الأحبّاء، أنّ إرادة الإنسان تنمو بالصلاح عندما يقترب من ربّ الصلاح.
قال قداسته متكلّماً على الأوضاع الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة في عالَم اليوم: العدالة مهمّة جدّاً بين الناس والمجتمعات، إنّما لا تكفي وحدها ما لم تدخل إليها روح الأخوّة… والتضامن مع الآخَر ضروريّ، لكنّه يبقى ناقصاً ما لم يُكتنَف بروح المجّانيَّة.
عيش الأخوّة يفترض انتماءً عائليّاً، حيث المجّانيَّة في العلاقات والعطاء المتبادل على غرار العطاء الأبويّ والأموميّ.. ومن أين لنا ذلك إن لم يكن فينا أناس يؤمنون؟!
فيا أهل الإيمان والإسلام، أهلاً وسهلاً بكم بين إخوة لكم يرغبون في أن يعيشوا المودّة والعطاء، بالعبادة والصوم والصلاة، وبالزكاة أيضاً، التي هي اسم آخَر لفضيلة المحبّة، وشهادة حيَّة عن مجّانيَّة طوعيَّة.
فباسم جميع إخوتي الأساقفة ورؤساء الطوائف وكلّ المسيحيّين، نحيّي هذه المُهج الطيّبة، التي تتطيّب، أكثر فأكثر، في أجواء هذه الأيّام الصياميَّة الساعية للمثول أمام وجه الله العليّ القدير.
واسمحوا لي بالمناسبة أن أشكركم، باسمي وباسم إخوتي الأساقفة، على مشاركتكم إيّانا فرحة الولوج إلى أماكن مار مارون، الذي هو قدِّيس الكنيسة الجامعة، ووليّ من أولياء الله القُدُّوس. فمن خلال حياته العابدة المتقشّفة إلى أقصى الحدود، وحياة أقرانه المتنسّكين في هذه البقعة من أرضنا الغالية، توطّدت أخوّة شاملة فاحت منها رائحة محبّة متدفّقة، لا من أحاسيس عابرة، بل من منبع روحيّ أصيل.
– لقد كنتم بقربنا في كلّ شيء. وشاركتمونا الفرح والابتهاج، وقمتم بأعمال ومساعٍ جُلّى، وتعبتم وسهرتم.. وما زلتم تواكبون هذه المواقع وغيرها باندفاع وغيرة وعمل متواصل.
– شكرنا الخاصّ في هذا المجلس نرفعه إلى سيادة الرئيس الدكتور بشّار الأسد…
ومن بعده إلى السيّد وزير الإدارة المحلّيَّة الدكتور المهندس تامر الحجّة، وإلى وزير الدولة لشؤون الرئاسة السيّد منصور عزّام، وإلى محافظ حلب الجديد المهندس علي أحمد منصورة ومَن يعاونه، وقد أظهروا لنا، منذ اللحظة الأُولى، تعاطفاً وحماسةً واهتماماً بالغاً لمتابعة هذه الأماكن وتهيئتها، سيّما وأنّنا نستعدّ، في مستهلّ السنة القـادمة 2010، للاحتفال بالذكرى المئويَّة السادسة عشرة لرقاد مار مارون.
أيّها الإخوة الأعزّاء.
أملنا، نحن أساقفة حلب، أن تنفتح أبواب هذه المنطقة التي كانت تسمّى إلى الآن “منطقة المدن المنسيَّة” – وقد قال عنها سيادة الرئيس بشّار الأسد: “لا لن نسمّيها بعد الآن منطقة المدن المنسيَّة لأنّنا سنحييها” – نودّ إذاً أن تنفتح أبوابها تباعاً، لكي تكون مقصداً لكلّ سائح، ومحجّاً لزوّار عديدين، من أجل إذكاء روح التعبّد والتخشّع، وإرساء حِوار روحيّ فاعل، وتقديم شهادة مُثلى في الإخاء، معتبرين أنّ الديانة الإسلاميَّة هي بمنـزلة واحة إيمان، وُجدت في قلب عالمَنا، كي تذكّره بأنّ الله حاضر، وأنّ العبادة واجب مقدَّس، وأنّ الإنسان إذا مال عن هذه الطريق فهو ضالٌّ بائس مسكين.
– أخانا سماحة مفتي الجمهوريَّة الدكتور أحمد بدر الدِين حسّون.
حضوركم في هذا الحفل الكريم هو حضور الألفة والفرح، لما يرمز إليه مقامكم، وأنتم مفتي الجمهوريَّة. وأعني أولويَّة الحياة الإيمانيَّة، وما لها من حالة روحيَّة تدعو إلى التطل
ّع نحو العلاء من جهة، وإلى الانخراط في قضايا العالَم المعاصرة، بنـزاهة وكياسة، والتركيز على قيم أساسيَّة، ما فتئتم تذكّروننا بها، من خلال كلامكم الشائق، وحكمتكم التي تطال بالنصح، لا بنيان مجتمعاتكم الدِينيَّة وحسب، بل إنّها تنفذ بالطيبة إلى سائر الجماعات في هذا الوطن العزيز.
وختاماً، أعاد الله هذه الأيّام، على بلادنا وشعبنا، وعليكم جميعاً، بالخير واليُمن والصفاء.
نجدّد شكرنا لكم، أيّها الإخوة الأعزّاء، ولتبقوا، ولنبقَ معكم، مغمورين ببَرَكاته تعالى، ورضاه، ومحبّته. ودمتم.
المطران يوسف أنيس أبي عاد
رئيس أساقفة حلب للموارنة