بين الأمس واليوم

Share this Entry

بقلم جميلة ضاهر موسى

القبيات، الجمعة 4 ديسمبر 2009 (Zenit.org) . – كما في الأمْس:

          … ولمّا تمّ زمان أليصابات، وَلدَتْ ابناً، وغَمَرتِ الفرحة أهل الدار والجار حتّى عمّت كلّ “جبل اليهوديّة”. فرحة مثلّثة، أزالت عار العقم عن الوالدين، في آيةٍ لا تُشبه إلاّ رَحمة الله لِشَيْخَين طاعِنَين في السِّن، بولادةِ ذكرٍ خُتِم من الربّ منذ كان في حَشا أُمّه.

تهافت الجميع مُزَغْرِداً، مُهَنِّئاً بالمَولودِ، مُتَسائلاً عن سبب تسْمِيَته يوحنّا بَدَلَ زكريّا، خلافًا للعاداتِ والتقاليدِ، دونَ أن يَتنبّهوا إلى إرادة الله في ذلك. وَحْدَه زكريّا كان يَعْلَم أنّ الله أرَادَ أن يَعْبُر بنا من عَهدِ التذكُّرِ (زكريّا تعني “الله تذكّر”)، إلى عهدِ التحَنُّنِ والإنْعام (يوحنّا تعني”الله تحنّن وأنعَم”). من عهد الهيكل القديم والحرف القاتل والتقليد المتحجّر، إلى عهد الحبّ وفيض الرحمة.

كان الجميع قد تعَلّقت أنظاره على حَمْل ِالأمّ العجوز مدّة تسعة أشهرٍ، مُرَدّدين عبارة التعَجُّب المُكَمِّلة لِمُتَطلِّبات الحَدَث الفريد: “حقًّا  ما من أمرٍ عسيرٍ عند الله!”

ما مِنْ أحد تنَبَّه إلى ولادة زكريّا الجديدة عندما نَطَقَ “بحنان الله”.

أَلَم يُمْض ِهو أيضًا، تسعة أشهرٍ، صامتًا في رَحِم التَّأمّل الحقيقيّ، في سِرِّ الله وأمانته لوعوده؟ أَلَم يُعِدِ النظرَ في بدءِ تكوين علاقة جِدّيّة مع الله، نابعة من أعماق الإيمان الدّاحِض ِ للشّكّ الّذي فاته يوماً في قُدس الأقداس. أَلَمْ يَعُدِ التَمَوْضُعِ ثابتًا في مشروع الآب للخلاص الآتي؟

كذلك اليوم:

واليوم، حولَ أيّ شيءٍ تتمحور اهتماماتنا؟ هل ننظُر إلى الداخل ونَسْبُرُ عمق الأحداث التي تَحصَل لنا؟ كيف نتلقّاها؟ هل نؤمن أنّنا شعب الله وأنّنا ننتمي إلى مشروعه الخلاصيّ؟ هل نمارس المحبّة ونُنْكِرُ شريعة العين بالعين والسِّنّ بالسِّنّ؟ هل نحن من أتباع” المُؤَلِّهين” التقاليد الحديثة والموضة والواجبات البشريّة على حساب فيض نعمة الآب ومحبّته، وزيارات الوِدِّ والصّداقة، والقيام بالمناسب لا بالمَفْروض؟

زكريّا آمن بأنّ ولده مُرْسَل من عِندِ الله، فمَجَّدَه على كرَمِه وحَنانِه، وكان أميناً في تَرْبِيّتِه على الإيمان بالخالق العظيم، وفتحَ قلبه على الحقِّ كلّه.

ونحن، كيف نربّي أولادنا؟ ماذا نقدِّم لهم من “أطباق” روحيّة وأخلاقيّة و…؟ ربّما ظننّاهم شجرة عيدٍ فاهتممنا بزينتهم من مَلبَس ٍ، وحِرْفةِ الكلام، ونبرة الصوت المَوْزونَةِ، المُلائمَة ِ كلّ حديثٍ في المجتمعات المُخْتلفة. وأغدقنا في “خَرْجِيَتهم” الخضراء، الّتي بإمكانها توفير وجبةَ طعامٍ كاملةٍ لعائلة مَسْتورَة، دون أن ننتبه إلى جذورهم التي ما تزال خارج التراب، والتي لا بدّ لها من أن تجِفّ لانْعِدام الغِذاء، مؤدّية إلى يَباس الأغصان!

ومتى دقّوا أبواب النُضْجِ، أفرغنا فيهم ما نَقصَ فينا من نَزَعاتٍ وميولٍ أو حقّقنا أحلامنا التي لم نَستطِع تحقيقها، في اختيارنا لهم الاختصاص أو الإحتياج الذي نرغَبُ نحن به دونهم، سالبين بذلك حرّيتهم، فيَتوهوا ويسلكوا دربًا موحِلة انتقامًا لِما حُرِموا منه، وهو احترام حقّهم في الإختيار، وتقديرِ ما يتمتّعون به مِن مَلَكات.

فَهَلاّ وقفنا مع ذواتنا لِلحَظات، وأقرّينا بجرأة بأنّ شُحوبَ الإيمان بالله وصِدقِه، الذي وهب الشريكين بَرَكَة الإتّحاد بالحبّ، هو مفتاح اللّغْز؟ إنّه يقودنا إلى عدم الوثوق بالآخر، فعدم القبول به كما هو، فالضعف، فالسقوط…   وإن كان الربّ قد “آتانا العظائم” في ضعفنا، ووضع الحياة في عُقمِ حبّنا له ولبعضنا، أفلا نثق به بعد الآن، ونكون شهوداً لحنانه، أمناء على محبّة وتربية أولادنا، أمانته الغالية؟

موقع القبيات الإلكتروني

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير