بقلم الخوري رولان معربس
القبيات، الجمعة 4 ديسمبر 2009 (Zenit.org). – نقدم نصي رسالة وإنجيل قداس الأحد بحسب الطقس الأنطاكي السرياني الماروني مع تعليق مقتبس من “نشرة الأحد” – موقع القبيات الإلكتروني.
* * *
الإنجيل
57 وجاءَ وقتُ أليصاباتَ لتَلِدَ، فولَدَتِ ابنًا.
58 وسَمِعَ جيرانُها وأقاربُها أنَّ اللهَ غَمَرها برحمتِهِ، ففَرِحوا معَها.
59ولمّا بلَغَ الطِّفلُ يومَهُ الثـامنَ، جاؤوا ليَختِنوهُ. وأرادوا أنْ يُسمُّوهُ زكَرِيَّا باسمِ أبـيهِ،
60 فقالَت أُمُّهُ لا، بل نُسمِّيهِ يوحنَّا.
61 فقالوا لا أحَدَ مِنْ عَشيرَتِكِ تَسَمّى بِهذا الاسمِ.
62 وسألوا أباهُ بِالإشارَةِ ماذا يُريدُ أنْ يُسمّى الطِّفلُ،
63 فطَلَبَ لوحًا وكتَبَ علَيهِ اسمُهُ يوحنَّا. فتَعجَّبوا كُلُّهُم.
64 وفي الحالِ انفتَحَ فمُهُ وانطلَقَ لِسانُهُ فتكَلَّمَ ومَجَّدَ اللهَ.
65 فمَلأ الخوفُ جميعَ الجيرانِ. وتحدَّثَ النـاسُ بجميعِ هذِهِ الأُمورِ في جِبالِ اليهوديَّةِ كُلِّها.
66 وكانَ كُلُّ مَنْ يسمَعُ بِها يحفَظُها في قلبِهِ قائِلاً ما عسى أن يكونَ هذا الطِّفلُ لأنَّ يَدَ الرَّبِّ كانَت معَهُ.
) لو 1 57-66(
تأمّل من وحي الإنجيل
إخوتي الأحباء، تحتفل أمُّنا الكنيسة اليوم بعيد ميلاد يوحنا المعمدان.
الله الّذي وعد من خلال الملاك يفي بوعده لزكريا واليصابات وللبشرية أيضاً. فالبشارة بحبل اليصابات اكتملت اليوم بولادة يوحنا، والفرح الذي غمر قلبها عمَّ قلوب الأقارب والجيران، لأنهم اكتشفوا حنان الله لهما من خلال الطفل يوحنا وهذا الحنان ربما لم يعرفوه من قبل، من هنا معنى الإسم وهو يعني “ألله تحنَّن”.
ولم يتحنَّن الله على اليصابات وزكريا فقط، بل تحنَّن على الجماعة التي طال انتظارها فأعطى هذا الطفل أهمية ودور في التهيئة لمجيء المخلص. فهذا الطفل سيكون الإصبع الذي سيدل على المسيح وسيكون الصوت الصارخ في البرية: “… أعدّوا طريق الرب”.
والملاحظ أيضاً أنَّ هذا الإسم يوحنا أتى من الله مباشرة ليعلن أن الله حنون، خالقاً لدى العائلة نوعاً من التغيير في التقاليد الموروثة (ما من أحد في العشيرة يُدعى يوحنا).
في الحقيقة، يلفتنا في هذا النص أمران:
أوّلاً ـ إنَّ تسمية الصبي جاءت في اليوم الثامن، في يوم الختانة، أي – بمعنى أوضح – في اليوم الذي سيلتزم به المولود الجديد بالشريعة اليهودية، هذه الشريعة التي توجب ختانة الجسد. وهذا سيبقى بذاكرة يوحنا ليوجِّه الناس في المستقبل نحو التوبة أي ختانة القلب من خلال المعمودية التي سيَدعو اليها الناس على ضفاف نهر الأردن. وهذا الدور المُهم ليوحنا جعل الجميع يسأل السؤال نفسه: “ما عسى أن يكون هذا الطفل؟”. أمّا اليوم فلم يعُد هذا الجواب غامضاً بالنسبة لنا كمؤمنين. نعم إن هذا الطفل هو دعوةٌ للتغيير والإنفتاح على منطق العهد الجديد، إنَّه دعوة لكسر الجمود وللخروج من رتابة العادات التي لا تمتُّ بأي صلة الى جوهر الدين والإيمان. إنَّه دعوة إلى إعادة النظر في قناعاتنا الشخصية والسَّعي الى تركيزها على أسس إلهيَّة حقَّة، مع إصغاء كُلّي لصوت الله في داخلنا.
ثانياً ـ إن الآية 64 تؤكد عودة زكريا الى الكلام، فبعد صمتٍ دام حوالي تسعة أشهر “نطق زكريا” وهذه عبارة غالباً ما نستعملها في مجتمعاتنا خاصة عندما يتكلم إنسان بشيءٍ تافه نردُّ عليه مباشرة ونقول”نطق زكريا” ولكن يبقى أن نعرف ماذا قال زكريا وبماذا نطق؟ في الحقيقة إن زكريا الذي كان كاهناً، ربما كان يتكلم أكثر مما يسمع، مستنداً الى لغة اللسان دون الرجوع الى لغة القلب، لذلك صمته هذا كان عودة الى الداخل لكي يسمع الله في القلب، متأمِّلاً بقدرته، مدركاً إرادته وعاملاً بمشيئته. لم يبقى زكريا على مستوى ذكر الله له بل غاص في سر الحنان وما أولى كلماته سوى تأكيد على أنَّه فهِم سرّ محبَّة وحنان الله له. وهذا ما جعله يمجِّد الله بعد أن كتب إسم ابنه يوحنا على اللوح. في الواقع من منَّا ليس بحاجة الى وقتٍ من الصمت لكي يعود الى ذاته ليكتشف إرادة الله له ويعمل بها؟ من منَّا ليس بحاجة الى اكتشاف محبة الله له وحنانه عليه؟ كُلُّنا ننطق بكلمات فيها الكثير من الإهانة الى الله، كلنا ننطق بكلمات مثيرة للإشمئزاز، هل عدنا يوماً الى أنفسنا لنُمَجِّد الله بلساننا وقلبنا معاً كما فعل زكريا أم ما زلنا غير مبالين لذلك؟
دعوتنا اليوم إخوتي الأحباء هي أن نختبر حب الله في الصمت، ونتوقف في حياتنا عند العلامات التي تُسعِفنا في مسيرتنا لنتحرَّر من كل العوائق ونثبت في خدمتنا، طالبين من الله سيِّد الحياة أن يُحرِّرنا من أخطائنا ولتبقى يده دوماً معنا . آمين.