بقلم الأب فرنسوا عقل المريمي
الفاتيكان، الجمعة 4 ديسمبر 2009 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي القسم الثاني من مقالة “الكنيسة الكاثوليكيّة والحرب”.
* * *
-IIالحرب العادلة وحقّ الدّفاع المشروع
قد يتساءل البعض أحيانا، أن هل ثمّة حرب عادلة؟ ومن يقرّر صحّة عدالتها؟ أليس الأمر نسبيّا إلى درجة كبيرة؟ وألا يختلف مفهوم العدالة بين شعب وآخر أم بين أتباع هذا المذهب وذاك؟
ربّما يسلّم المنطق البشريّ بعدالة الحرب فيعتبرها حقّا ممكنا ومشروعا للدّفاع عن النّفس أو مقاومة اضطّهاد ما، أو ضدّ جيش محتّل غاصب، كما هو واقع الأمر بالنّسبة إلى الكثيرين من القادة والمنظّرين.
ففي العهد القديم كانت الوصيّة الخامسة “لا تقتل” محصورة في القتل المتعمّد فقط، ولم تكن لتعني قطّ المقاومة المسلحّة في وجه الظّلم والعنف.
أمّا في العهد الجديد فقد سأل بعض الجنود يوحنّا المعمدان قائلين: “ونحن ماذا نعمل؟ فقال لهم. لا تظلموا أحدا، ولا تفتروا على أحد، واكتفوا بأجوركم” (لو 3/14). ويسوع نفسه أعجب بإيمان قائد المئة الرّوماني التّابع لجيش الاستعمار والاحتلال، والذي لا يؤمن بوحدانيّة الله، فلم يلمه على حمل السّلاح بل شفى له ابنه المفلوج، لأنّه لم يجد مثل إيمانه في إسرائيل.
وقد ناقش آباء المجمع الفاتيكانيّ الآنف الذّكر في إحدى الجلسات المجمعيّة، إشكاليّة الحرب العادلة وغير العادلة، فطالب بعضهم بإلغاء الأسلحة العصريّة، والتّخلّي عن منطق التّمييز التّقليديّ ما بين “الحرب العادلة” و”غير العادلة” (Cf. I padri presenti al Concilio Ecumenico Vaticano II, (a.c.d.) Segreteria generale del Concilio, p. 267)؛ فيما نادى البعض الآخر بعدالة هذا النّوع من الحروب والمقاومة الجماعيّة للاضطهاد، من أجل تحقيق السّلام.
وارتأى يومها الكاردينال ألفريدو أوتّافياني (Alfredo Ottaviani)، أنّ على المجمع مناقشة كلّ الوسائل والمبادرات المطروحة، لدفع عمليّة السّلام إلى الأمام، وإيجاد بعض الحلول السّلميّة للصّراعات والخلافات بين الشّعوب.
لذا، رأت الكنيسة أنّه من الضّروريّ جدّا، بثّ ثقافة جديدة في مجتمعاتنا المعاصرة، هي ثقافة رفض العنف، التي يجب أن تندرج في مناهج التّربية المدنيّة والدّينيّة، كوسيلة فعّالة لحضّ الشّعوب على الاعتراف المتبادل بالحقوق والواجبات فيما بينها، وتجنّب كلّ صراع طبقيّ أو عرقيّ وجلّ أنواع الأنظمة الأمبرياليّة السّياسيّة والاقتصاديّة، وتنمية روح الأخوّة بين النّاس (Cf. G. F. Svidercoschi, Storia del Concilio, Milano 1967, P. 654)، من دون التّنكّر لنظريّة حقّ الدّفاع المشروع، شرط أن تكون الجماعة السّياسيّة المعنيّة، قد استنفدت كلّ إمكانيّات الحلول السّلميّة؛ مع ضرورة التّمييز المطلق ما بين القيام بالحرب بهدف الدّفاع العادل عن الشّعوب وبين الرّغبة في فرض السّيادة على أمم أخرى تحت ستار شعارات وهميّة فارغة وأعذار كاذبة، وحجج واهية. فاستخدام القوّة لأغراض سياسيّة أو عسكريّة لا يمكنها أبدا أن تكون تبريرا لتحقيق السّلام (ك ع 79).
-IIIشروط الدّفاع المشروع وملحقاته
نستنتج ممّا تقدّم أنّ ثمّة شروط محدّدة ينبغي لها أن تتوفّر من أجل شرعيّة أي عمل دفاعيّ يعتمد على القدرات العسكريّة.
وعليه يكون الدّفاع المسلّح شرعيّا في الحالات التّالية:
أ- في حال غدت الجماعة السّياسيّة ضحيّة ظلم واضح يكون بمثابة حافز صريح وصارخ لدفاع مشروع؛
ب- بعد استنفاد جميع الحلول السّلميّة الممكنة عمليّا، من دون أدنى وصول إلى النّتيجة المرتجاة؛
ج- عندما تكون كلّ النّتائج السّلبيّة التي يسبّبها الكفاح المسلّح أقلّ خطرا من الظّلم الذي ينبغي القضاء عليه؛
د- إن كان ثمّة أمل كبير جدّا في كسب الحرب من أجل كسب السّلم فالسّلام؛
ه- إن كان من المؤكّد أنّ الدّفاع المسلّح سوف يؤول إلى احترام قدسيّة حقّ الشّعب المظلوم.
أمّا في حال اشتعال الحرب بين دولتين، وهذا أمر غير محبّذ عموما، فعلى الجيشين تجنّب قتل المدنيّين.
كما أنّه من السّذاجة بمقدار أن تلقى مسؤوليّة القتل في الحروب على الجنديّ المحارب وحده في ساحة الوغى، وهو مأمور مسكين ينطلق من مبدأ “نفّذ ثمّ اعترض” تلقّنه منذ اليوم الأوّل لدخوله معترك الحياة العسكريّة، كما لا يجب أن يتحمّل المسؤوليّة وحدهم أولئك العمّال الذين يُستخدمون في مصانع الأسلحة لتركيب الصّواريخ وصناعة القذائف والقنابل، بل بالحريّ تلك الرّؤوس الكبيرة التي تخطّط للحرب والعنف والدّمار وراء كواليس الحياة اليوميّة (راجع، تيودول ري-مرميه، الخلقيّة، (تعريب أمين مرعي)، منشورات معهد الليتورجيّا في جامعة الرّوح القدس، الكسليك-لبنان 1993، ص. 365-369).