للأب هاني باخوم
بيروت، الخميس 24 ديسمبر 2009 (Zenit.org). – الله يتراءى مجدّداً لابراهيم. لا يتركه غارقاً في طوفان مشروعه الخاص، لا يقبل ان يُحدد دعوته ويُحجّمها، كما لا يقبل ان يكتفي باِسماعيل. يتراءى له مجدداً ويقول: ” انا الله القدير، فسِر امامي وكن كاملاً. سأجعل عهداً بيني وبينك وسأكَثِّرُكَ جداً جداً” (تك 17: 1- 2).
“انا الله القدير” الرّبّ عند ظهوره لابراهيم لا يستخدم كلماته بالصّدفة، لكنّه يعني كلّ كلمة: انا الله القدير؛ الله يُذَكّر ابراهيم بالوعد والميثاق الذي أقامه معه، بالذّبيحة التي لم يأكل نصيبه منها، كما رأينا سابقاً. يكرّر ويقول له لماذا شككت؟ لماذا لجأت إلى قدرتك انت وانجبت الابن من الخادمة؟ تَذَكر، انا وعدتك وانا قادر على تحقيق ما وعدتُ به. لا تنظر الى واقعك الحالي، لا تهتمّ بعمرك الذي يتقدّم، او بامراتك التي تشيخ، ، لا تنظر الى نفسك وقدراتك، “انا الله القدير”.
“فسِر امامي وكن كاملاً”. الله لا يحكم عليه، لا يعتبره غير كفىء، لا يرذله من امام وجه، بل على العكس يجدّد الوعد. الله يرحم ابراهيم، يُظهر له قدرته الحقيقية والتي هي الرّحمة. تلك هي القدرة الحقيقية، رحمة وبداية من جديد.
“رحمة” بالعبرية كما العربية من اصل “رَحِم” اي احشاء الأمّ، فالرّحمة هي امكانية ولادة جديدة. ليست فقط نسيان ما تمَ، ولكنها خلق جديد. خلق جديد يسمح للشّخص بأن يحيا بطريقة جديدة ومختلفة عمّا كان من قبل. رحمة الله لابراهيم، ليست فقط نسيان ما فعله والبدء من جديد، بل هي امكانية وقدرة جديدة تُمنح لابراهيم كي يسير امام الرّبّ بطريقة كاملة. فالرّحمة تلمس الشّخص وتغيره تلقائياً، تحوله من شخص يؤمن بانه قادر على كلّ شيء، الى شخص يؤمن بمن هو قادر على كلّ شيء.
وامام تلك الرّحمة وامام تجديد العهد “يسقط ابراهيم على وجهه”. ابراهيم يعترف انه امام من هو قدير فعلاً. حتّى وان كان الله لم يحقق الوعد بعد، وهو لا يزال من دون الابن، لكنّه بالفعل اختبر ان الله هو القدير، لماذا؟ لانه اختبر الرّحمة، رحمة الله. لان من يَرحم، ويُعطي امكانية بداية جديدة ،وقوة ودافعاً لحياة جديدة، من يعطي الامل من جديد بعد ان فُقِدَ كلّ امل هو اذاً القدير. لذلك الرّحمة هي صفة الهية، وبامكان البشر ان يرحموا فقط عندما يتلقون تلك العطية السّماوية، والا فباطلاً يتعبَ البناؤون.
ابراهيم يختبر ان الله ً لم يتركه ابداً، حتّى ولو شعر هو بذلك، واحسّ انه كان بعيداً، لكن في الواقع ابداً لم يتركه. هناك وقت محدد كي يرجع الرّبّ ويتراءى له. هناك سر كبير اسمه “وقت الله”.
“هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك: يُختن كل ذكرٍ منكم” (تك 17: 10). الرّبّ يعطي علامة جديدة للعهد، وهي الختان. كل ذكر من نسل ابراهيم يجب ان يُختن.
سابقاً كانت علامة العهد مع نوح قوسٌ في السّماء. ولكنّها بعيدة عن الانسان، في السّماء، بعيدة عن واقعه. لكن الآن علامة العهد هي في جسد الانسان، شيء مرتبط به دائماً وفي اعمق واكثر ما في جسده من حميمية. فالإنسان يرى نفسه ويتذكر العهد القائم مع الله.
ختان الجسد هو اول مرحلة وعلامة للعهد والذي سيتطور ويصبح ختان القلب. يقول سفر تثنية الاشتراع:” ويختن الرّبّ الهك قلبك وقلب نسلك، لتحبّ الرّبّ الهك بكلّ قلبك وبكلّ نفسك، لكي تحيا” (تث 30: 6)
فالختان علامة للعهد، والعهد هو ان يحبّ الانسان الله بكلّ قلبه وكل نفسه، وهكذا يحيا. هذا هو العهد، ان يحيا الانسان. وكيف يحيا الانسان، ما هي القوة والدافع لذلك؟ ان يحبّ الله بكلّ القلب والنّفس، فمن لا يحبّ الله يختبر الموت.
وان “يحبّ الانسان الله” هو وعد من الله، سيتمّمه في الانسان، والعلامة هي الختان. فالله هو الذي يغمر قلوبنا بالحبّ لكي نحبّه. الانسان بقدرته لا يستطيع ان يحبّ. ان يحبّ بكلّ القلب والنفس، بامكانه ان يحبّ الى حدٍ ما، ضمن حدود، ما دام محافظاً على ذاته وحياته. لكن ان يحبّ بكلّ القلب والنّفس هي عطية الهية، تُمنح، لذا هناك وعد . وعلامة الوعد مع ابراهيم: الختان.
وعد من جديد، ابن منتظر، نسل من السّيدة، من سارة، متى؟ …للمرّة القادمة.