بكركي، الخميس 24 ديسمبر 2009 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي رسالة الكاردينال الماروني مار نصرالله بطرس صفير بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للطائفة المارونية.
* * *
“أتى إلى خاصته، وخاصته لم تقبله”
(يو1: 11)
أيها الأخوة والأبناء الأعزاء،
عيد ميلاد الرب يسوع بالجسد، الذي تعوّد أن يَحتفل به العالم المسيحي منذ الفين وتسع سنوات، له نكهة تفوق جميع الأعياد. فهو عيد الإله المتأنس، عيد انعتاق البشرية من وصمة الخطيئة الأصليّة، التي يولد معها كل إنسان آت إلى العالم، وعيد الطفولة، والبراءة، والأمل بغد أفضل. أجل “الشعب الجالس في الظلمة أبصر نوراً عظيما، والجالسون في بقعة الموت وظلاله أشرق عليهم نور” (متى4: 16).
لقد ولد المخلص بالجسد في هدأة الليل، في قرية صغيرة من فلسطين، هي بيت لحم. وجاء الملائكة يبشّرون رعاة كانوا هناك، يسبّحون الله، ويقولون: “المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام للناس الذين بهم المسرّة” (لو2:14). وكان الشعب المختار ينتظر في الواقع هذا المخلص منذ زمن بعيد، وكانوا يتمثّلونه محاربا بطّاشا، سيتغلّب على أعدائه بالحديد والنار، ويحرّر الشعب من محتلّيه. ولكنه كان غير ما كانوا ينتظرون. إن بولس الرسول يقول:” فلمّا بلغ ملء الزمن أرسل الله إبنه مولودا من امرأة، ومولودا تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبنّي” ( غلا4: 4-5).
لقد جاء المخلّص لكي يعطي المؤمنين به الحياة الأبدية، على ما يقول القديس يوحنا: “أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يكونوا أبناء الله للذين يؤمنون باسمه، الذين لا من دم ولا من مشيئة لحم، ولا من مشيئة رجل، لكن من الله ولدوا” (يو1: 12) . وقد أخلى ذاته آخذا صورة عبد، صائرا في شبه البشر وموجودا كبشر في الهيئة، فواضع نفسه، وصار يطيع حتى الموت موت الصليب” (فيليبي2: 7-8). ويقول أحد القديسين: “إن الزمن ينبّهنا إلى أن ميلاد المسيح الرب قريب. والعالم بما يقلقه يقول بحدوث شيء قريب سيجدّده. هذا يؤكد لنا، نحن أيضا، أن ننتظر أن ينهض المسيح، الشمس الجديدة…”.
أيها الأخوة والأبناء الأعزاء،
جاء السيّد المسيح إلى الأرض ليعلّمنا أن نعيش أخوة متحابين، لا أعداء متناحرين، وأن يكون بعضنا عونا لبعضنا الآخر، لا حربا على بعضنا البعض. ولبنان اليوم أحوج ما يكون إلى هذا الجوّ من التهدئة والتعاون بين جميع طوائفه وأبنائه.
لقد تحسّن المناخ الاجتماعيّ، وتراجعت موجة الاغتيالات، ومال الناس، على وجه الاجمال، إلى التفاهم والابتعاد عن العنف الذي لا يولّد إلا العنف. وهذا أمر لا بأس به، وكان مرجوّاً منذ زمن. غير أن الإخلاص للوطن يقضي على كل فئة من المواطنين، لا بل على كل مواطن أن يعمل في سبيل وطنه، لا في سبيل نفسه وأنانيته. وخير مثل لنا نجده في السيد المسيح الذي لم يعمل لنفسه، بل لله أبيه السماويّ ولنا جميعا، وقد ضحّى بنفسه في سبيلنا، وارتضى ان يعلَّق على الصليب ويموت عليه، لكي يفتدي الناس أجمعين، ولكي يعطينا جميعا أمثولة في كيف يجب ان تكون التضحية في سبيل الغير.
قال البابا بنديكتوس السادس عشر: “عندما ولد الطفل يسوع في ما بيننا، فلا يجدنّنا ذاهلين او متشاغلين بتزيين بيوتنا بالأضواء. فلنُعدّ بالأحرى في أذهاننا وعائلاتنا مسكنا لائقا يشعر فيه بأنه مقبول عندنا بإيمان ومحبة”.
ولنُقبل على هذا العيد بعاطفة الإيمان العميق والشكر لله على ما جاد به علينا في حياتنا من نعم لكيلا يصحّ فينا ما قاله صاحب العيد ببني قومه :”أتى إلى خاصته وخاصته لم تقبله”.
بهذه المشاعر، أتقدّم منكم، أيها الأبناء الأعزاء، بأحرّ الأماني وأطيب التهاني، سائلا الله أن يكون هذا العيد موسم خير وبركة عليكم جميعا. ولا يمكننا أن نتناسى العائلات التي آلمها أن تفقد أحد أفرادها، فلا تجده في حلقة العائلة في بهجة هذا العيد المجيد. واني أسأله تعالى أن يعيد عليكم جميعا العديد من أمثال هذا العيد، وأنتم على أحسن وأهنأ بال.
بكركي، في 23 كانون الأول سنة 2009.
الكردينال نصرالله بطرس صفير
بطريرك انطاكية وسائر المشرق