علامات القيامة (3)

Share this Entry

بقلم الأب هاني باخوم

روما، الجمعة 16 أبريل 2010 (Zenit.org) – قام المسيح، حقاً قام. قام، واحدى علامات قيامته: “القبر الفارغ”. علامة وليست دليلا. علامة عندما رآها التلميذان؛ بطرس ويوحنا، آمَنا، ورجعا الى بَيِتهِما (يو 20: 8). أَما مريم المجدلية فبقيت هناك تبكي عند القبر الفارغ معتقدة ان الجثمان قد سُرقَ (يو 20: 11). تلك العلامة لم تكفيها، لم تُفهمها انه قد قام. مريم تحتاج لشيء اخر كي تفهم القيامة وتختبرها. تحتاج لعلامة اخرى.

“فالتَفتَت الى الوراء، فرأت يسوع واقفاً، ولم تعلم انه هو”(يو 20: 14). مريم المجدلية تذهب للقبر كي ترى المسيح. ترى من شفاها من ارواحها السبع الشريرة (لو 8: 2). وها هي الآن تراه، تراه ولكن لا تتعرف عليه؛ تعتقده البستاني.  فيقول لها يسوع: “لماذا تبكينَ، ايتها المرأة، وعمن تبحثينَ؟” (يو 20 :14- 15). المسيح في البداية هو الذي شفاها وجعلها قادرة ان تتبعه، والان هي التي تبحث عنه. تبحث عنه ولا تجده. مريم تعتقد ان البستاني أخذ جثمان المسيح فتقول له: “سيدي، إذا كنت انت قد ذهبت به، فقل لي اين وضعته، وانا اخذه” (يو 20: 15). فيقول لها يسوع: “مَريَم”. فترد عليه: “رابوني؛ اي يا معلم”. كلمة واحدة  من يسوع كانت كافية  كي تتعرف عليه. لقد ناداها باسمها فأدركت من هو. ظهور المسيح ومناداته لمريم علامة اخرى لقيامته بالنسبة لها.

ما اروع هذا المشهد! سفر نشيد الاناشيد هنا يتحقق. هناك الحبيب الذي غسل حبيبته، علامة لتطهيرها وشفائها مما يدنسها. فتبدأ هي في البحث عنه. فتقول: “بحثتُ عنه ولم اجده. أنهضُ واطوفُ في المدينة، في الشوارعِ والساحاتِ ابحثُ عمّن تُحبه نفسي…صادفني الحراس فقلت لهم: أرايتم من تحبه نفسي؟ فما ان تجاوزتهم حتى وجدت من تحبه نفسي، فأمسكته ولن اتركه ابداً” (نشيد الاناشيد 3: 1- 4). وهنا ايضاً المجدلية، كرمز لكل نفس بشرية، بعد ان تتقابل مع مغفرة الرب ولو لمرة واحدة في حياتها، تصبح عطشة لملاقاته من جديد. الانسان الذي اختبر حب الرب المجاني يتحول الى باحث مستمر عن تلك الشركة العميقة مع خالقه. الانسان الذي خُلق على صورة الله ومثاله لن يرتاح حتى تجد نفسه تلك الصورة وهذا المثال؛ تجد المسيح.

“لماذا تبكينَ، ايتها المرأة، وعمن تبحثينَ؟”. ومريم ترد: أبكي لاني لم أجدُ المعلم. بكاء مريم لانها فقدت الرب. ما يُبكي قلب ونفس الانسان هو فقدان الرب. هذا البكاء هو بكاء النفس التي تبحث عن شيء عميق، لا ينضب. هو بكاء من لديه الكثير او حتى كل شيء ولكنه فقد من يعطي المعنى  لكل ما لديه، فاصبح لا يملك شيئا.

فيقول لها المسيح: “مَريَم”. فتعرفه لانها من خرافه. مريم تجد من كانت تبحث عنه. فتقول له: “رابوني، اي يا معلم”. وترغب ان تلمسه، ان تمسكه كي لا يهرب منها ثانية. فيقول لها المسيح: “لا تُمسكيني، اني لم أصعد بعد الى ابي. بل اذهبي الى أخوتي، فقولي لهم أني صاعد الى ابي وابيكم، الهي والهكم”. فذهبت مريم….(يو 20: 18).

 مريم لا تريد ان تجد نفسها مرة ثانية بدون الرب. تحاول إمساكه، تريد ان تضمنه حاضراً معها. لكن الرب يقول لا. الوقت لم يكتمل بعد. يجب ان اصعد اولاً الى ابي. والصعود مرتبط بأرسال الروح القدس المعزي (يو 16: 7). مريم تفهم انها لا تستطيع ان تمتلك الرب لها فقط. تفهم ان وقت الجلوس لم يأتي بعد. الآن عليها ان تذهب. تذهب لتعلن للأخوة ان الرب صاعد. انه يتمم ما وعد. ان ينتظروا ما وعدهم به. ان لا يتشككوا. ان لا يخافوا. مشروع الرب ينمو ويتقدم. ها هو صاعد.

تلك هي علامة اخرى للقيامة؛ ان نجد من نبحث عنه. ان نجد من تبحث عنه نفسنا في العمق. الانسان، إن كان يعلم ام لا، يبحث عن معنى لحياته؛ لماذا احيا؟  لاتعلم! لاتزوج! لاكون كاهنا! لتربية الاولاد! كي اصلي! كي افعل بعض افعال الخير! لماذا احيا وما معنى الحياة؟

 قيامة المسيح لا تجاوب على تلك الاسئلة. لكنها تعلن شيء اخر؛ المسيح قام، نعم قام المسيح. وهنا تتغير كل تلك الاسئلة وتتحول لسؤال واحد: لمن احيا؟ السؤال يصبح: لمن اُعطي كياني؟ عمن ابحث انا؟ قيامة المسيح وامكانية ان نجده تعطي اجابة. احيا لاجل الذي مات وقام. الحياة لها معنى هو المسيح. الحياة لها هدف هو المسيح. فهو الوحيد الذي يعطي لحياتنا المتبقية معنى وهدف؛ رسالة.

هذا الكلام وهذه القيامة ليست فقط للكهنة او للراهبات؛ أي انها ليست فقط لمن اختار البتولية. لا. انها دعوة الانسان الاصلية؛ ان يكون للمسيح وفقط له. فهكذا تتحقق ذاته. ان نكون للمسيح هو امر يتجسد بعد ذلك في الزواج او الكهنوت، او العزوبية، أو اي دعوة كانت. لانه هناك سنجد المسيح؛ في الزوج مهما كان طبعه، في الرعية او الرسالة مهما كانت قسوتها، في الاخر..هناك يوجد المسيح.

ان تجد مريم المسيح هو خبر مفرح، وعلامة قيامة لكل منا؛ فنفسنا تستطيع ان تجد من تحيا لاجله.

علامات القيامة لم تنته…….

للمرة القادمة…

زمن فصح مبارك.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير