الصحراء
للأب هاني باخوم كيرولس
روما، الأربعاء 14 يوليو 2010 (Zenit.org) – يعلن ايليا الجفاف اذاً للشّعب كي يرجع ويتوب الى الإله الحقيقي، كي يترك “بعل” وأوهام الخلاص الآتية منه ويرجع الى المصدر الوحيد للسّعادة. لكن الجفاف لا يكفي. الصّعاب لا تكفي كي يرجع الشّعب الى الرّبّ: الإنسان يستبدل “بعل” بآخر. فإذا فشلت آماله في الحصول على السّعادة من الزّواج، يبحث عنها في ضمان مستقبله. وإذا فشلت في الحصول على الماء، اي الحياة من المال يبحث عنها في الجنس او في شيء آخر. الإنسان كما الشّعب مصنع للأوثان. وامام هذا لا تكفي احداث الموت كي تُعرّف الإنسان حدوده وتُظهر خيبة “بعل”. فما الذي سيفعله الرّبّ لكي يخلص شعبه الذي لم يعد يستمع اليه؟ الذي لم يعد يتعرّف عليه في الأحداث اليومية؟
الرّبّ يُحضِر ايليا، ويجعل من حياته صورةً ونموذجاً لكي ينظر الشّعب اليه، فيرى تدخل الرّبّ في حياته لعله يفهم عندئذ تدخله في حياته كشعب. نعم دور ايليا ليس فقط ببساطة قول شيء ما من عند الرّبّ، وما اسهل ذلك!! دوره الأساسي هو ان يترك حياته بين يدي الرّبّ كي يجعل منها علامة تُظهر للشّعب حبّ هذا الإله. نعم حياة ايليا ستصبح علامة لما يفعله الرّبّ مع الشّعب؛ مطلوبٌ منه ان يترك حياته لله، كي يستطيع ان يَظهر فيها للشّعب. فمن يرى النّبي سيمجد الله ولن يمتدح ببساطة حسن اخلاق ايليا.
نعم الرّبّ يُحضر ايليا ويرسله ليتنبأ، وبعد هذه النّبوءة ، يعم الجفاف الأرض، وتتحوّل اسرائيل شيئاً فشيئاً الى صحراء. عندئذ يظهر الرّبّ لإيليا ويأمره بالهروب الى الصّحراء حيث لا حياة، وهناك سيدبر حياته. لذلك يرسله ليختبر تدبيره وسط الموت والجفاف وكعلامة للشّعب بأن الصّحراء ليست المشكلة، ولكن المشكلة هي على اي “إله” يعتمدون؟ وفي اي “إله” يضعون ثقتهم؟
ايليا يدخل في الطّاعة، يذهب حيث لا امكانية للحياة، يثق بالرّبّ، “بإله اسرائيل”. وفي الصّحراء، مكان الموت، يختبر ايليا الحياة، يختبر تدبير الله. يرسل له اللّحم والخبز صباحاً ومساءً. كما كان الشّعب يأكل في البرية عند خروجه من ارض مصر (خر 16: 8، 12). وكأن الله يعيد خروج شعبه ثانية من ارض مصر، من ارض العبودية، من الموت الذي دخل فيه، من عبودية فرعون الجديد “بعل”، من عبودية الآلهة المزيفة. الله يفعل هذا في شخص ايليا، وكما ذكرنا من قبل، كعلامة ودليل بل وعربون عما يمكنه فعله مع كلّ الشّعب.
هذا ما يفعله الله مع ايليا، يرسل له الغربان حاملة الخبز واللّحم. الغربان هي طيور نجسة بالنسبة لإسرائيل، لا تلمس، ممنوع اكلها ( لا 11: 15) لأنها قبيحة وتحيا على الجثث (ام 30: 17) ومعروف عنها انها تسكن الأماكن المدمرة والخربة (اش34:11). هذا الطّير النّجس الذي يعلن وجوده حالة الخراب، حالة الدمار والفوضى التّامة لأرض اسرائيل، يصبح وسيلة في يد العناية الإلهية لإطعام ايليا، وكأنّ الله يقول له ان هذا الخراب ليس من اجل الهلاك الأبدي بل من اجل حياة جديدة. ومعه يقول لي ولك، لا تتشكك من صعاب الحياة التي تحيطك، لا تتعثر من الصّليب، من الآلام، من الموت، او من الوحدة… لا تتعثر. ففي قلب هذا الجفاف الرّبّ قادر على ارسال من يَرويك.
ايليا يختبر توابع خطيئة شعبه. الشّعب لم يتب حتى الآن فيستمر الجفاف ويجفّ حتّى النّهر الّذي كان يشرب منه ايليا. النّبي هو شخص يقاسم الشّعب حياته وحالته لكن بدون الخطيئة. يقاسم الشّعب توابع الخطيئة الّتي لم يقترفها، فيرى الجفاف، يرى النّهر جافاً ولكنّه مازال يثق بالرّبّ لأن الخطيئة لم تفسده، ومازال يرى عمل الله الخلاصي.
فيظهر له الرّبّ ويأمره بشيء جديد، شيء اصعب، سيدخله في علاقة مع آخرين، فلا يبقى وحيداً في الصّحراء…
فإلى المرّة القادمة……
ايام مباركة.