عظة البطريرك صفير

بكركي 18 مارس 2007 (zenit.org). –ننشر في ما يلي العظة التي تلاها البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي.

 

Share this Entry

يتحدث الانجيل اليوم عن المخلع. كان يسوع في كفرناحوم، وهي مدينة في الجليل تقع على الضفة الشمالية الغربية من بحيرة طبريا. وكان فيها مركز للجمرك يفصل بين ولايتي هيرودوس انتيبا، وهيرودس فليبوس. وقد جعل يسوع فيها أولا مركز عمله العام. وأتى فيها عدة أعاجيب منها: شفاء رجل مسكون في المجمع، وشفاء حماة بطرس، وجمهور من المرضى. وأكد حقه في مغفرة الخطايا، وقال أنه أتى ليدعو الخطأة، وأن المحبة تتعدى الواجبات الخارجية. وفيها اقام ابنة يائيروس من الموت. وفي كنيسها ألقى خطابه عن خبز الحياة. ولاحقا لعن المدينة لأنها لم تهتد الى طريق الايمان، بفضل ما أتى فيها من عجائب. وتدعى اليوم تل حوم.
كان يسوع في أحد بيوت كفرناحوم، يخاطب الناس بكلمة الله، وقد تجمعوا في أحد البيوت، فاذا بأربعة رجال ثقبوا السقف المصنوع من قصب وتراب، ودلوا أمامه رجلا طريح الفراش. فما ان رآهم يسوع حتى قال للرجل : “يا ابني مغفورة لك خطاياك”. وهو لم يأت لتغفر له خطاياه، بل ليشفى ويقوى على المشي. وراح الكتبة الذين كانوا هناك ينتقدونه، ويجدفون في قلوبهم قائلين :” من يقدر أن يغفر الخطايا غير الله. وعرف يسوع بروحه ما يفكرون به، فقال لهم: لماذا تفكرون في قلوبكم بهذا؟ ما هو الأسهل؟ أن يقال للمخلع : مغفورة لك خطاياك؟ أم أن يقال: “قم احمل سريرك وامش”. وأضاف: ولكن لتعلموا أن لابن الانسان سلطانا على مغفرة الخطايا على الأرض، قال للمخلع: لك أقول : “قم احمل سريرك، وامش. فقام في الحال، وحمل فراشه وخرج أمام الجميع، حتى دهشوا كلهم، ومجدوا الله قائلين “ما رأينا مثل هذا البتة”.
ونتابع الكلام عن العائلة، فنرى ما حدث من تحريف في اللغة لدى الكلام عن العائلة، وما أصبحت تعني لفظة عائلة، مع الوسائل التقنية، لدى المحدثين، وقد ابتعدت عن مفهوم العائلة التقليدية. وهذا ما أدخل ما نشهده في أيامنا من فوضى أخلاقية نسأل الله أن يقينا عواقبها الوخيمة.

 يمكننا القول ان اللجوء الى اعطاء الألفاظ معاني جديدة، لا يخفف من مسؤولية الفاعلين. وهناك من يضعون تحت عنوان واحد مثلا: المستهلكين الذين لهم حساب في أحد المصارف، والسكارى، والمرضى، والمسافرين، وكل مستهلك أيا يكن، وحتى الجثث. بينما الطلاب، والعاطلون عن العمل، والمساجين، والذين يتقاضون مساعدات من الضمان الاجتماعي ، يُدعون ” زبائن”. والأطباء، والممرضون، والمناظرون، والمستشفيات، والرهبانيات، وسواهم، يجمعون تحت اسم واحد هو :” “حرفيو الصحة”، او العملة الصحيون.
وفي غياب قواعد الأخلاق، ومفهوم السعادة، والألفاظ المشتركة بين المسيحيين وغير المسيحيين (اذا عدنا مثلا الى الفضيلة، والجودة، والحق، أو الجمال) فان القانون هو الذي يوفر المرجع الصالح، وهو في غالب الأحيان الأسلوب الوحيد المقبول عامة لتسوية الخلافات الشخصية والجماعية، على قاعدة الحقوق والواجبات. وكانت سابقا المشاكل من هذا النوع تحل بالعودة الى قواعد أخلاقية مقبولة على وجه العموم. وأما في ما يتعلق بالحقوق، فان القانون يوفر لغة بديلة تقوم مقام اللغة الماضية. وفي هذا السياق، ان لغة الزواج والعائلة، بما أن هذين يتعلقان بمشكلة هي من مشاكل النظام العام، فقد تراجعت هذه اللغة أمام القانون: فأصبح الزوج اليوم شريكا، وهو تعبير مستعار من التقليد التعاقدي الخاص بالقانون الغربي، وذلك مقابل التقليد الكتابي الذي يقول بالعهد، والمحبة الأمينة والحصرية. والتشريع أصبح يستبدل، يوما بعد يوم، بطريقة عادية، ما كان يسمى سابقا زواجا بحسب العرف، او علاقات واقعية، بعبارة “علاقات بين أشخاص من جنس واحد”. وبما أن العلاقات أصبحت تعاقدية، صار بالامكان وضع حد لها في كل لحظة، مع اشعار سابق محدد، وهي علاقات ليست اتفاقا يستند الى عهد.
وفي حلقات نسائية مضادة للحياة، يرفض المشاركون عادة فيها التوجه الى النساء بلقب “سيدة”، لأن ذلك يعني القبول بمفهوم الزواج، وتربية الأولاد. وهذه أمور مرفوضة بالنسبة الى استقلالية المرأة. وفي هذه الأوساط، يخلع على المرأة لقب مبهم يقال له بالانكليزية (مس) وهو مختصر بامكان النساء أن يستعملنه لاجتناب استعمال لفظة سيدة أو آنسة، التي تميز النساء المتزوجات من اللواتي هن بتولات.

ان الأداة اللغوية المستعملة عادة هي اللفظة الحديثة “التمييز”، واستعمالها يفترض خطيئة ارتكبت. وهناك تجاهل للفظتي “عادل” و”ظالم”، بينما أصبح عاديا أن يطالب الأشخاص غير المتزوجين، أيا تكن خياراتهم الجنسية، بأن يكون لهم ولد، وبالتالي، بأن يلجأوا الى الوسائل التقنية للايلاد. وهذه المطالبة هي جزء مما يسمى بالحقوق المرتبطة” بالصحة الجنسية”، او “صحة الانجاب”. والذين يطالبون بذلك يعتبرون ان حرمان أي من الناس من هذه التقنية، بقصرها على المتزوجين، أو الملتزمين بعلاقات واقعية معروفة وطويلة الأمد، يشكل ” تمييزا”. ووفق هذه الرؤية العالمية، يصبح الزواج في غير محله، ويصبح الأولاد سلعة بسيطة.
وانفتاح هذه الحقوق على بعض أعضاء المجتمع، أو بعض طبقاته، لا يقابلها شيء قد صنع بالمقابل لحماية حقوق الذين اقترنوا بقوة رباط الزواج المقدس، وما يلقيه عليهم من مسؤوليات.
ولفظة “عائلة” قد أصبحت لفظة عامة تتضمن سلسلة طويلة من العلاقات. والمعلقون القانونيون يعودون اليوم الى أكثر من واحد وعشرين نوعا من تحديد علاقات لا يمثل الزواج الا احداها. والعلاقات اليوم محددة تقريبا حصريا على المستوى الشرعي. ولم يعد الكلام يدور على شخص “متزوج” ، وزوج وزوجة، بل، كما قلنا سابقا، ع
لى”علاقات بين شركاء”، مع كل ما في الحق الخاص من معان، وواجبات تتفرع عنها، وذلك على حساب “شرعة المحبة ولغتها”.
في بعض حلقات لاهوتية استعملت غالبا بعض ألفاظ مثل “خلاق” و”نبوي” لتبرير استعمال جديد لبعض كلمات، وتمديد تحديد نوع آخر من الوقائع. واذا سعينا مثلا الى تمديد مفهوم ما يشكل “عائلة”، فهناك بعض حلقات فلسفية تضع تمييزا بين “الكلام السياسي المحافظ” الذي يؤثر “العائلة التقليدية”، وغير ذلك، أي التقاليد المتأثرة بالماركسية الجديدة. وتدعي هذه بأنها تستعمل مقاربة “قائمة على العدالة”، وتعتمد على المبادلة في العلاقات بين الشركاء لتتضمن سلسلة من علاقات غير تقليدية تعتبر انها تستحق لقب “عائلة”.

ولنأخذ مثلا ما جاء في وثيقة عن الزواج كتبها أحد الأساتذة الكبار في احدى الجامعات الأميريكية. يقول ان الزواج التقليدي هو علاقة بين أشخاص، علاقة جنسية، بيتية، اقتصادية، اجتماعية، بين أشخاص مختلفي الجنس. وينهي بالقول: “ان النزعة النسائية المسيحية … تسعى الى اعادة النظر في الزواج ليكون هناك مساواة أكثر ومبادلة بين الشركاء… والنساء اللواتي ينادين بالنزعة النسائية المسيحية … يحاولن أن يعدن النظر في الزواج بوصفه علاقة يلتزم بها الشريكان على قدم المساواة وفي امكانهاعند الاقتضاء، أن تتضمن قرانات بين أشخاص من جنس واحد”. وهذه سلسلة من عبارات فيها كثير من التورية. فاذا أخذنا مثلا لفظة ليس فيها أية اشارة تحقيرية كبابا، وأسقف، وكنيسة، وسلطة تعليمية، وبطريركية. هذه الألفاظ تستعمل في بعض النصوص بشيء من العدوانية لأنها تمثل في آخر المطاف “السلطة”. وفي ما خص الكنيسة، يفهم بالسلطة عادة، تحديدها الوثني، لأنها تعطى معنى “القدرة” وبالتالي ” سيطرة الأقوياء على الضعفاء.”أما بالنسبة الى المسيحيين، فالسلطة، خلافا لذلك، هي تنسيق العلاقات بين الأشخاص الذين هم جميعا متساوون أمام الله.
ونطاق “الحياة”، هو المكان الذي تزدهر فيه الألفاظ التي تخفي الحقائق الأساسية. لنأخذ مثلا ” حقوق المرأة” أو “حقوق الانجاب” تعني لدى الرأي العام، حق الاجهاض المطلق. وهذه الحقوق تقرأها أجهزة حقوق الانسان الدولية وفق مبادئ “التفسير الحي”. وفي بعض دوائر اكليريكية، تختفي وراء تعابير مثل “حقوق المرأة” أو “مشاركة المرأة”، “سيامة المرأة” أو “حق الانجاب” (بما فيه الاجهاض) أو كلاهما. وان عبارة للاختيار، اخذت في الرأي العام، لدى النقاش حول الاجهاض، معنى تدمير مقصود للحياة البشرية الناشئة. وهناك معجم لاهوتي في الكنيسة يتعلق بالمرأة يقترح تعليقات “مستنيرة” في شأن الاجهاض:
ان المواضيع الخاصة في التفكير اللاهوتي النسائي عن الاجهاض تعني: أولا تعهدا بالسلامة الجسدية بوصفها ميزة أساسية لاحترام رفاهية المرأة وكرامتها. ثانيا صورة عن الحبل كفعل “أدبي خلاق يجب أن يقبل بحرية تامة، بطريقة ذكية ونظرة ثاقبة، وليس كتطور طبيعي بسيط. ثالثا الالحاح على وصف واف للاجهاض الذي يقوم على قياس أدبي صحيح لا بد من مواجهته بفعل الأوضاع الاجتماعية، الاقتصادية، التاريخية، والثقافية الخاصة. رابعا نقد الأحكام المتعلقة “بأدوار الرجل والمرأة الطبيعية”. وعلى التحليل الوافي للاجهاض أن ينهل من كل ينابيع الحكمة الأدبية المتاحة، وبخاصة من الاختبار الذي عاشته النسوة اللواتي حملن دائما ثقل الانجاب.
والجدل القائم حاليا حول الاستنساخ يبين أنه حقل خصيب للمهارة اللغوية. وهناك فوارق خاطئة بين الاستنساخ الاستشفائي، والاستنساخ الانجابي. والبحث حول الجنين أوضح الفرق بين الاحترام الأدبي، وغير الأدبي الواجب للجنين.
التطور الذي تشهده العائلة، لدى بعض المجتمعات، قد أدخل على هذه العائلة مفاهيم جديدة نأت بها عن المفهوم التقليدي الذي يجمع بين رجل وامرأة أمام الله والناس الى الأبد، ولا يفرق بينهما الا الموت، على ما يقول السيد المسيح. وهذا ما أوجد هذه الفوضى التي يشكو العالم منها.
وهناك فوضى تهز المجتمع اللبناني على صعيد التفكير، والتنظيم، والحكم، والمجتمع.واذا بكل الناس من كل الطبقات يشكون. وكأن لبنان قد أصبح مركبا تائها في بحر متلاطم الأمواج. وتكاثرت أحاديث السلب والنهب، واضطرب حبل الأمن، وبات الناس في قلق على يومهم وغدهم. وهذا يقتضي له تنسيق بين قوى الأمن والدرك العاملة على الأرض بحيث تستطيع أن تقوم بما عليها من واجب يتعلق بالسهر على أمن المواطنين وسلامتهم. ويجب أن تتوفر لجميع هذه القوى، كل الوسائل الحديثة المطلوبة دونما تفرقة أو تمييز، التي تمكنها من القيام بما عليها من واجب لاكتشاف جميع الجرائم التي ارتكبت على أرض لبنان. وانا نهنئ هذه القوى التي تمكنت من اكتشاف جريمة عين علق. فعسى أن تسعف الأحوال على تحقيق الآمال”.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير