من الإرشاد الرسولي "سر المحبة" لقداسة الحبر الأعظم بندكتس السادس عشر

الفاتيكان، 19 مارس 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي مقدمة الإرشاد الرسولي “سر المحبة” لقداسة الحبر الأعظم بندكتس السادس عشر حول موضوع الافخارستيا مصدر وغاية حياة الكنيسة ورسالتها.

Share this Entry

إرشاد رسولي

سر المحبة

SACRAMENTUM CARITATIS

أصدره بعد السينودس

البابا بندكتس السادس عشر

إلى الأساقفة والكهنة والمكرسين والمؤمنين العلمانيين

عن الافخارستيا

مصدر وغاية حياة الكنيسة ورسالتها

* * *

مدخل

1. إن سر المحبة، الافخارستيا المقدسة، هو الهبة التي فيها يقدم يسوع المسيح ذاته، معلنًا حب الله اللامتناهي لكل إنسان.
في هذا السر المقدس يظهر الحب “الأعظم”، الذي يدفع المسيح إلى “أن يبذل نفسه لأجل أحبائه” (يو 15، 13).
يقدّم الإنجيلي عمل التواضع العميق الذي يقوم به يسوع بالكلمات التالية: قبل موته على الصليب لأجلنا، ائتزر بمنديل وأخذ يغسل أقدام التلاميذ. بالشكل عينه، يعبر يسوع في سر الافخارستيا عن حبه لنا “إلى أقصى الحدود”، إلى حد أن يهب لنا جسده ودمه. ما أعمق العجب الذي غمر قلوب الرسل أمام أفعال وأقوال الرب خلال ذلك العشاء! وكم من العجب ينبغي أن يولّد في قلوبنا السر الافخارستي!

 

خبز الحقيقة

2. في سر المذبح، يأتي الرب لملاقاة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله (راجع تك 1، 27)، ليصبح رفيق دربٍ له. ففي هذا السر، يضحي الرب مأكلاً للإنسان الجائع إلى الحقيقة والحرية.

ولأن الحقيقة وحدها تجعلنا أحرارًا بالفعل (راجع يو 8، 36)، أصبح المسيح لأجلنا خبز الحقيقة.

من خلال معرفته العميقة للطبيعة البشرية، بيّن القديس أغسطينوس كيف أن الإنسان يتحرك بشكل عفوي ودون إكراه، عندما يجد نفسه أمام ما يجذبه ويولد فيه الرغبة. وعبر التساؤل عما يحرك الإنسان في صميمه، هتف الأسقف القديس قائلاً: “ماذا تشتهي النفس أكثر من الحقيقة؟”.

يحمل كل إنسان في داخله شوقًا توّاقًا إلى الحقيقة الأخيرة والنهائية. ولهذا يتوجه الرب يسوع، “الطريق والحق والحياة” (يو 14، 6) إلى قلب الإنسان التواق الذي يشعر بأنه حاجّ ومتعطش، إلى القلب الذي يتلهف طالبًا نبع الحياة، إلى القلب الذي يستعطي الحقيقة.

فيسوع المسيح هو الحقيقة الصائرة شخصًا، التي تجذب العالم إلى نفسها. “يسوع هو النجم القطبي للحرية الإنسانية: من دونه تضيّع الحرية اتجاهها، لأنه بغياب معرفة الحقيقة تفقد الحرية طبيعتها، وتنعزل وتضحي مجرد قدرة اختيار عقيمة. أما بالمسيح، فالحرية تجد نفسها من جديد”.

في سر الافخارستيا، يبين لنا يسوع بشكل خاص حقيقة المحبة، التي تشكل جوهر الله بالذات. هذه هي الحقيقة الانجيلية التي تهم كل إنسان، وكل الإنسان. ولهذا، فإن الكنيسة التي تجد في الافخارستيا مركزها الحيوي، تلتزم بشكل مستمر بالإعلان أمام الجميع ، في وقته وفي غير وقته (راجع 2 تيم 4، 2) أن الله محبة.

وبما أن المسيح قد أصبح لنا طعام الحقيقة، تتوجه الكنيسة إلى كل إنسان، داعيةً إياه إلى قبول عطية الله بحرية.

تطور الطقس الافخارستي

3. إذا ما نظرنا إلى ألفي سنة من تاريخ الكنيسة، تحت هداية الروح القدس الحكيمة، نتأمل، بعرفان كبير، التطور التاريخي للأشكال الطقسية التي من خلالها نتذكر حدث خلاصنا. بدءًا بأشكال العصور الأولى العديدة والتي ما زالت تشع في طقوس الكنائس الشرقية القديمة، وصولاً إلى انتشار الطقس الروماني؛ من تعليمات المجمع التريدنتيني الواضحة ورتبة قداس القديس بيوس الخامس وصولاً إلى التجديد الليتورجي الذي أراده المجمع الفاتيكاني الثاني: في كل مرحلة من تاريخ الكنيسة، يتألق الاحتفال الافخارستي – مصدر وغاية حياة الكنيسة ورسالتها – في الطقس الليتورجي بكل غنى تنوعه.

وقد عبرت الجمعية العامة العادية الحادية عشرة لسينودس الأساقفة، التي عقدت من 2 إلى 23 أكتوبر 2005، عن شكر عميق لله لأجل هذا التاريخ الذي يقوده عمل الروح القدس. ولفت آباء السينودس الانتباه إلى تأثير الإصلاح الليتورجي الإيجابي، الذي بدأ انطلاقًا من المجمع الفاتيكاني الثاني، والذي كان له الوقع الحسن على حياة الكنيسة. وتسنى لسينودس الأساقفة أن يقيّم القبول الذي تلقاه الإصلاح بُعيد المجمع. وكان التقييم إيجابيًا بشكل عام. فالصعوبات وبعض الاستعمال السيئ، الذي تم الحديث عنه، لا يمكنه أن يلقي بظله على حسن وصحة الإصلاح الليتورجي الذي ما زال يتضمن موارد غنىً لم يتم استخدامها بعد. من الضروري قراءة التغييرات التي أرادها المجمع في إطار الوحدة التي تميّز نمو الطقس التاريخي دون إدخال انشقاقات مصطنعة.

سينودس الأساقفة وسنة الافخارستيا

4. من الضروري أيضًا التشديد على العلاقة القائمة بين سينودس الأساقفة حول الافخارستيا وما جرى في السنوات الأخيرة في حياة الكنيسة. وبشكل خاص يجب أن نرجع بالفكر إلى يوبيل العام 2000 الكبير، الذي من خلاله أدخل سلفي الحبيب، خادم الله البابا يوحنا بولس الثاني، الكنيسة في الألفية المسيحية الثالثة.

لا ريب أن سنة اليوبيل قد أخذت طابعًا افخارستيًا بيّنًا. ولا يمكننا أن ننسى أن سنة الافخارستيا التي أرادها البابا يوحنا بولس الثاني، عبر خيار بعيد النظر، للكنيسة جمعاء، قد سبقت، ونوعاً ما، مهدت لسينودس الأساقفة. فتلك الفترة التي افتتحها المؤتمر الافخارستي العالمي في غوادالاخارا في أكتوبر 2004، اختُتِمت في 23 أكتوبر 2005، في ختام جمعية السينودس الحادية عشرة، بإعلان قداسة خمسة طوباويين تميزوا بتقواهم الافخارستية: الأسقف يوسف بيلشفسكي،
الكهنة كايتانو كاتانوزو سيغمونت غورازدوفسكي، ألبرتو هورتادو كروشاغا، والراهب الكبوشي فليتشي دانيقوسيا.

بفضل التعاليم التي عرضها البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته الرسولية “ابق معنا يا رب” (Mane nobiscum Domine) وبفضل النصائح الثمينة التي أملاها المجمع الحبري للعبادة الإلهية ولتنظيم الأسرار، قامت الأبرشيات والجمعيات الكنسية بمبادرات عدة لإحياء وتنمية إيمان المؤمنين بالافخارستيا ولتحسين تنظيم الاحتفالات وتعزيز عبادة الافخارستيا، ولتشجيع تضامن عملي ينبع من الافخارستيا ليصل إلى الفقراء والمحتاجين.

في الختام، من الأهمية بمكان أن نذكر الرسالة العامة الأخيرة لسلفي المكرم “كنيسة الافخارستيا” (Ecclesia de Eucharistia)، التي قدّم إلينا من خلالها مرجعًا تعليميًا أكيدًا حول عقيدة الافخارستيا، وشهادة أخيرة عن الدور المحوري الذي كان هذا السر الإلهي يحتله في حياته.

الغاية من هذا الإرشاد الرسولي

5. يود هذا الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس أن يستعيد الأفكار والاقتراحات المتنوعة الغنى التي صدرت عن الجمعية العامة العادية لسينودس الأساقفة – انطلاقًا من الخطوط العريضة (Lineamenta) وصولاً إلى الاقتراحات ( Propositiones)، مرورًا بأداة العمل (Instrumentum laboris )، النقاشات قبل وبعد عرض المسودة (Relationes ante et post disceptationem)، مداخلات آباء السينودس، والمستمعين (auditores) والمبعوثين الأخويين، بغية تنقيح بعض أسس الالتزام الرامية إلى إحياء الزخم والتقوى الافخارستية في الكنيسة.

نظرًا لرحابة التراث العقائدي والنظامي الذي تنامى حول هذا السر على مر العصور، في هذه الوثيقة أود بشكل خاص أن أوصي الشعب المسيحي، بعد قبول تصويت آباء السينودس، بالتعمق في العلاقة القائمة بين سر الافخارستيا، العمل الليتورجي، والعبادة الروحية الجديدة المنبثقة من سر الافخارستيا، سر المحبة.

في هذا الإطار، أود أن أربط هذا الإرشاد الرسولي برسالتي العامة الأولى “الله محبة”، التي تطرقت فيها أكثر من مرة إلى سر الافخارستيا لأبين ارتباطه بالمحبة المسيحية، نحو الله ونحو القريب: “فالإله المتجسد يجتذبنا إليه. من هنا نفهم كيف أن “أغابي” (agape) قد أضحت الآن اسمًا من أسماء الافخارستيا: ففيها تأتي إلينا محبة (أغابي) الله بشكل جسداني لكي تتابع عمله فينا ومن خلالنا”.

 

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير