في ذكرى شهداء الحادي والثلاثين من تشرين… في القرن الحادي والعشرين

بقلم الأب رفعــت بدر مدير موقع “أبونا”

Share this Entry

الأردن، الأربعاء 2 نوفمبر 2011 (Zenit.org). –دمعة…

اليوم 31/10 الذكرى السنوية الأولى على قداس الأحد الذي لم يتمّه الكاهنان – ثائر و وسيم – في كنيسة سيدة النجاة ببغداد، لأنّ يدا عبثيّة  أرادت لهما أن يصبحا “ذبيحة” قبل إتمام الذبيحة…

و الذبيحة هي كلاهما و شعبهما المواظب على صلاة الأحد.

أترى أصبح يوم الأحد فخا للمؤمنين؟

أترى أصبحت الكنائس مفخخة ليأتي إليها كل مؤمن خائفا مذعورا… ؟

رحل الكاهنان و سبعون شهيدا معهما.

رحلا معا… كما أرسلهم المعلم الاول … الشهيد الأول

أرسلهم اثنين و سبعين رسولا شاهدا و شهيدا

أرسلهم اثنين اثنين ………

الكاهن و رفيقه

المرأة و زوجها

الابن مع أبيه

البنت مع أمها

…………..

و نستذكر اليوم ذلك الأحد الأليم.

ونترحم على أرواح الشهداء – اجل الشهداء- الذين غسلوا ثيابهم بدماء الحمل ، و غادروا هذه الدنيا أطهارا، ساعات قليلة قبل احتفال الكنيسة – في كل العالم – بعيد جميع القديسين، هذا العيد الذي تحوّل بقدرة قادر – و تاجر – إلى عيد الهالوين ……. الخالي من المعنى و القيمة، لكنه في ذكرى سيدة النجاة عاد له  رونق خاص….. و طعم جديد هو طعم الشهادة – الاستشهاد في القرن الحادي و العشرين.

لهفي عليك أيّها القرن …  قرن التقدّم والعظمة والتقنيات …

لكنّك كسابقيك، بل أكثر ، ما زلت قرن القتل في سبيل الدين… وبسبب الدين … وبذرائع الدين … وباسم الدين…

الدمعة التي ننزلها اليوم … ليست على شهداء باتوا ينعمون بملكوت سعيد وعد به المصلوب – القائم …

بل هي دمعة على دين بات مستعمَلا … للقتل … في الكنيسة … ذات أحد …

مسيحيو الشرق………… لا شيء سوى الرجاء

ما أكثر هذه الكلمة استخداما في مقالات العرب و الغرب. مسيحيو الشرق ، مستقبل مسيحيي الشرق، همومهم ، آمالهم، مخاوفهم، دورهم الحضاري ماضيا و حاضرا و “ربيعا عربيا”، و خريفا و مستقبلا… وقد خرجوا من سينودس خاص في الأحد 24 تشرين اول ، وأخذوا صورا تذكارية عديدة لاجتماعهم التاريخي . واذا بهم في الاحد التالي وفي آخر يوم من تشرين السينودس ، على موعد مع أخبار وصور كنيسة سيّدة النجاة …

واليوم، الكل يتحدث عنهم و أكثر من ذلك يتنبأ عنهم، و عن مستقبل لهم حالك سوداوي و مظلم. وكم احزن على صحفيين و إعلاميين و مقدّمي برامج يتسابقون للحديث عن مستقبل المسيحيين في الشرق- في ضوء مجزرة سيدة النجاة-  و مجزرة الإسكندرية و مجزرة ماسبيرو… أترون معي أنها سلسلة دراماتيكية تدور بين مدن عربية حديثة وتحاول وسائل الاعلام أن تخلق القصص الأكثر رعبا ومأساوية بين مدن الاستشهاد – العربي- المسيحي -الحديث.

المهم ، قلت أنني احزن على أهل الإعلام و الصحافة الذين لا يريدون منك، في المقابلات – إلا أن تبين واقعا حزينا و كئيبا… و أن تقول لهم أنّ الحل السحري الأوحد الذي لا شقيق له هو أن يرحل مسيحيو الشرق . ..

هل قلت يرحل؟ نعم. و هي كلمة ازداد استخدامها في الربيع العربي الأحدث… الرحيل كلمة مبكية على العاشقين وعلى الحكام العرب وعلى مسيحيي الشرق… الا أنّها أمست خيارا لا مفرّ منه… ولأول مرّة في تاريخ الشرق العصيب، نسمع أساقفة ورؤساء كنائس لا يتورعون عن دعوة مسيحييهم الى الخروج…  

لهفي على من خرج … قسرا … تحت سطوة التهديد والوعيد بانّه ان بقي في ارضه وارض آبائه وأجداده ، فلن يكون مصيره أخف وطأة من مصير ثائر ووسيم ورفقائهم الشهداء…

مهلا … ليس من حلول سحريّة… مهما بدت مغرية ومغالية في رسم واقع أفضل حالا …

ولكن، علينا – نحن مسيحيي الشرق الذين بقينا في الشرق – العودة إلى الجذور. و هي ليست إلا جذور الإيمان. فالمستقبل هو في يد الله، و الله هو الذي يحرّك التاريخ و يقود الكون.

و علينا أن ننظر إلى الأمور، لا من ثقب باب لكنيسة حدثت فيها مجزرة، بل من باب الكتاب و هو ليس إلا باب الرجاء…

اعلم أن هذا الكلام قد لا يقدّم بالنسبة لكثيرين دواء. لكنه يبقى من أهم حاجات المسيحيين هنا و هناك و هو الرجاء…. و العودة إلى جذور الإيمان… لا مفرّ من سلوك هذا الدرب.

روح اسيزي

قبل أيام أحيت الكنيسة 25 عاما على لقاء اسيزي في إيطاليا  لرؤساء الديانات في العالم، و انطلق قطار السلام من حدائق الفاتيكان إلى مدينة فرنسيس صاحب صلاة ” يا رب اجعلني أداة…. للسلام “. انطلق القطار ، قبل أيام من ذكرى انطلاقة أفواج الشهداء الجديدة…   يحمل “حجاج السلام…. حجاج الحقيقة” ليوم لقاء وتفكير وصلاة وتناول طعام تقشفي مشترك.

ومن بين فقرات البرنامج التي نأمل لها التحوّل إلى واقع يومي كان تجديد ممثلي الديانات والملل والنحل على التزامهم  لأن يكون الدين أداة للسلام وألا يستخدم أبدا لبث أجواء الكراهية…  

و عشية اللقاء، احتفل البابا بصلاة خاصة  ، و تحدّث خلالها عن الحملان و الذئاب…. و ليس الحملان أتباع ديانة معينة، كما لا ينتمي الذئاب إلى ديانة واحدة. إلا أن الاقتباس الذي أورده البابا من القديس يوحنا الذهبي الفم – المولود في سوريا في القرن الرابع- ينطبق بجدارة على أوضاع مسيحيي الشرق، إذ قال: ” علينا أن نقاوم تجربة أن نصبح ذئابا بين الذئاب. فما دمنا حملان، فإننا سننتصر، بالرغم من وجود زمرة من الذئاب محيطة بنا، و سنقصيها جمعيا. أما إذا اخترنا أن نكون ذئابا فسنهزم. لأننا سنفتقر ساعتها إلى عون الراعي”.

و قد عدت إلى الكلمة الكاملة التي اقتبس منها البابا
فوجدت ما اختم به الكلام، في الذكرى السنوية على قافلة الشهداء الجديدة، حيث قال ذهبي الفم:

 ” لا يقابل التلميذ الشراسة بالشراسة ، انه فوق كل شيء يعرف طبيعة الأشياء….. أن الشراسة لا تطفأ بالشراسة و إنّما باللطف”…

تشفعوا لنا يا شهداء القرن الحادي والعشرين …  واحدا واحدا … واثنين اثنين…

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير