سكرتير غبطة البطريرك للأقباط الكاثوليك
القاهرة، الاثنين 21 مايو 2012 (ZENIT.org). – كلمة نعل (حذاء) تظهر في الكتاب المقدس أثناء مواقف كثيرة ومتنوعة، استوقفني منها: عندما يجد موسى العليقة المشتعلة ويحاول الاقتراب، يجد صوت يقول له: “لا تدنِ إلى ههنا. اخلع نعليك من رجليك، فإن المكان الذي أنت قائم فيه أرض مقدسة ” (خر 3: 5).
صوت الرب يدعوه أن لا يقترب. موسى يعتقد، انه كي يفهم ويتعرف على سر هذه العليقة، التي تشتعل ولا تحترق، يجب ان يقترب منها ويلمسها، ويراها فيفحصها. ولكن الصوت يدعوه ان يتوقف مكانه. الرب يريد ان يؤسس علاقة مع موسى تعتمد على كلمة يسمعها ويجيب عليها. الرب يريد ان يخاطب موسى من خلال الكلمة. موسى سيكون رجل الكلمة، فهو الذي سينقل الوصايا او حسب التقليد العبري، الكلمات العشر، فعليه ان يتعلم ان يسمع. يسمع لأخر. الرب يريد ان يؤسس علاقة مع موسى بعمق اكبر، كما سيقول المسيح للمجدلية، والتي كانت تريد ان تتأكد انه هو بعد قيامته: “لا تلمسيني، فأني لم اصعد بعد لأبي…”.
ويستمر الرب ويقول لموسى: أخلع نعليك، لان هذه الارض هي مقدسة. بالتأكيد كما يرى الكثيرين، ان هذه العلامة هي للاحترام، والخشوع. موسى واقف في جبل الرب، فعليه ان يخلع نعليه. لكن ما هو هذا الاحترام؟ احترام لماذا؟ لماذا يجب على موسى ان يخلع نعليه في جبل الرب؟
على موسى ان يخلع نعليه، لان الارض التي هو واقف عليها مقدسة. ان تكون الارض مقدسة، معناه ان تكون مكرسة، ملك للرب، مخصصة للرب. القداسة لا تأتي بمعنى بلا عيب او بلا خطيئة، بلا ضعف او بلا زلات، والا فما من قديس على وجه الارض. القداسة، في الكتاب المقدس، هي ان يكون الشيء مكرساً كليا للرب، موجه له، ملك له. فإننا نعرف العديد عن خطايا الآباء والرسل وتوبتهم. وهم قديسون بالرغم من هذه الخطايا التي وقعوا فيها وتابوا عنها. هم قديسون لان حياتهم كان لها اتجاه اساسي، هو الرب والعمل بمشيئته. في هذا الطريق، قد يقع الانسان ويخطيء، فيقوم، كداود النبي، كبطرس الرسول، كابراهيم، كموسى نفسه. نعم الارض مقدسة ليس لانها بلا خطيئة او بلا عيب، لكن لانها ملك للرب. مكرسة له. وعلى موسى اذا ان يخلع نعليه.
ارتداء النعل عل ارض معينة، يعني في التقاليد العبرية الامتلاك. الضيف عندما يدخل في بيت احد ما، اول شيء يصنعه هو خلع نعليه، ليس فقط كي لا يتسخ البيت من تراب الطريق، بل كعلامة انه ضيف سلام، ولا يريد ان يمتلك هذا البيت.
هكذا فعل قريبُ راعوت، عندما تراجع عن شراء حقل ابيمالك ورفض الزواج من راعوت. فقال لبوعز: إني أتنازل لك عن الحقل وعن حقي في الزواج براعوت، وهذا هو العهد: “فخلع القريب نعله من رجله وأعطاه لبوعز”، علامة على تخليه عن الحق في الشراء والملكية (راعوت 4: 1 – 8)
وهنا نستطيع فهم كلمات يوحنا المعمدان عندما سأله الشعب: اذا كان هو المسيح؟ يقول انا صديق العريس، وسيأتي بعدي المسيح، الذي لا يحق لي أن افك رباط نعليه. اي لا يحق لي ان اخلع عنه نعليه. فالشعب يسأل يوحنا: هل انت المسيح، كي نتبعك، ونصير تلاميذك؟ يقول لا. انتم لستم لي، انتم العروس التي هي للعريس، وانا لا استحق ان اخذ هذه الملكية منه، لا استطيع ان اخلع نعليه من قدميه، اي ان اجعل نفسي عريسا لكم، انتم لستم لي، لستم ملكي، انتم للعريس. فمن انا كي افك رباط نعليه، اي ان انزع منه ملكيته.
الرب يدعو موسى ان يخلع نعليه، لان هذه الارض هي مقدسة، هي للرب، وليست لموسى. غريب هذا الطلب! الرب قبل ان يبدأ في الحوار مع موسى يشترط عليه ان يخلع نعليه. اي ان يقبل ان السيد هنا هو الرب، هو الذي يضع مجرى الامور ويسيرها، وليس موسى وافكاره، ولاعدالته وتقاليده، الرب هو صاحب الارض والقبطان الذي يقود السفينة واما موسى فسيكون شراعها الذي يستجيب للقبطان ويوجه السفينة.
ما أجمل أن نحيا الحياة بهذا البعد: الدعوة او الزواج وكل ما لنا، علاقتنا مع الآخرين، أن لا شيء ملك لنا، ان نخلع نعلينا حتى عن حياتنا ونجعلها ملكا لأخر، للرب. فلنخلع نعلينا لان كل شيء هو مقدس للقديسين.
زمن فصحي مبارك.