الفاتيكان، 5 فبراير 2006 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر إلى أعضاء جمعيات الحياة المكرسة ومؤسسات الحياة الارسالية، بعد ظهر الجمعة المناسب عيد تقدمة المسيح إلى الهيكل. وذلك بعد القداس الذي احتفل به الكاردينال فرانك رودي، عميد المجمع الحبري لجمعيات الحياة المكرسة ومؤسسات الحياة الارسالية في البازيليك الفاتيكانية.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!

يسعدني أن ألتقي بكم بعد الاحتفال بالقداس الإلهي الذي جمعكم في هذه البازيليك هذه السنة أيضًا، في هذه المناسبة المميزة بالنسبة إليكم. فبانتمائكم إلى رهبانيات، وجمعيات وأشكال جديدة من الحياة المكرسة، تشكلون عنصرًا هامًا في جسد المسيح السري.

تذكر ليتورجية اليوم تقدمة الرب إلى الهيكل، وهو عيد اختاره سلفي المكرم، البابا يوحنا بولس الثاني، كـ "يوم عالمي للحياة المكرسة". أوجه إلى كل منكم تحية طيبة، بدءًا بالكاردينال فرانك رودي، عميد المجمع الحبري  لجمعيات الحياة المكرسة ومؤسسات الحياة الارسالية، أشكره على الكلمات القلبية التي وجهها إليّ.

أحيي أيضًا الأمين العام، وكل أعضاء المجلس الحبري الذي يكرس جهوده لجزء حيوي في الكنيسة. إن احتفال اليوم هو مناسبة مؤاتية لنطلب من الرب سوية عطية حضور للمكرسين والمكرسات، أكثر تماسكًا وتأثيرًا، في الكنيسة السائرة على دروب العالم.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، يذكرنا عيد اليوم بأن شهادتكم الإنجيلية، لكي تكون فعالة، يجب أن تنبع من جواب دون تردد على مبادرة الله الذي كرسكم لنفسه بفعل حب خاص.

فكما كان المسنّان سمعان وحنة متشوقين إلى رؤية المسيح قبل موتهما، وكانا يتحدثان عنه "لمن كان ينتظر خلاص أورشليم" (أنظر لو 2، 26. 38)، هكذا أيضًا، يغصّ زماننا بأشخاص، وخصوصًا بشباب، يحتاجون إلى ملاقاة الله. ويلتزم الذين اختارهم الله للحياة المكرسة بهذا الشوق الروحي بالكلية. ففيهم انتظار وحيد: انتظار ملكوت الله: أن يملك الله في إراداتنا، في قلوبنا وفي العالم. وفيهم اتقاد عطش حب وحيد، وحده الأزلي يستطيع أن يرويه.

بمثلهم يعلنون إلى عالمٍ، غالبًا ما يبدو تائهًا، ولكنه بالحقيقة في بحث عن معنى، أن الله هو رب الوجود، وأن "نعمته أثمن من الحياة" (مز 62، 4). فباختيارهم الطاعة والفقر والعفة من أجل ملكوت السماوات، يظهرون أن أي تعلق وحب للأشياء وللأشخاص، لا يكفي ليشبع جوع القلب بالكلية؛ وأن الحياة الأرضية هي انتظار للقاء "وجهًا إلى وجه" بالعروس الإلهي، انتظار يعاش بقلب دائم اليقظة في جهوزية للتعرف عليه ولقبوله عندما يأتي.

الحياة المكرسة، بطبيعتها، تشكل جوابًا كاملاً ونهائيًا، وغير مشروط ومتقد إلى الله. (أنظر الحياة المكرسة " Vita consecrata"، 17). وعندما يتم التخلي عن كل شيء من أجل اتباع المسيح، وعندما نهبه كل ما هو ثمين ونواجه جميع التضحيات، حينها، يصبح الشخص المكرس، كما كانت الحال مع المسيح، "علامة تناقض"، لأن طريقته في التفكير والعيش هي غالبًا معاكسة لمنطق العالم، التي تعرضها لنا رسائل الإعلام غالبًا. ويتم اختيار المسيح، بل بالحري، تترك له الدرب مفتوحة "للإغواء" دون تحفظ. كم من الأشخاص المتعطشين إلى الحقيقة، أمام شجاعة مماثلة، تبقى متأثرة ومجذوبة  إلى من لا يتوانى في هبة الحياة، لأجل ما يؤمن به.  

أليست هذه الأمانة الجذرية، التي يدعى إليها، حتى في أيامنا هذه، كل شخص مكرس؟

نشكر الله لأن الكثير من الرهبان والراهبات، والكثير من المكرسين، في مخلف أنحاء العالم، ما زالوا يقدمون، لله وللإخوة، شهادة حب أمينة وسامية، غالبًا ما تصطبغ بالاستشهاد. نشكر الله، لأن هذه النماذج ما تزال تولد في نفوس الكثير من الشبيبة الشوق لاتباع المسيح دومًا، بشكل حميمي وكامل.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، لا تنسوا أبدًا أن الحياة المكرسة هي عطية إلهية، وأن الرب هو الأول في قيادة هذه المسيرة بحسب مشروعه الخلاصي. هذه هي ثقتنا: أن الله يقود دربنا إلى نهاية صالحة، رغم ضعفنا؛ على هذه الثقة أن تكون مصدر تعزية، تحميكم من تجربة وهن العزيمة أمام صعوبات الحياة التي لا محالة منها، وأمام تحديات العصر الحديث الكثيرة.

في الواقع، نظرًا للزمن الصعب الذي نعيشه، تختبر الكثير من الجمعيات شعورًا بالضياع بسبب الضعف البشري المتواجد فيها، وبسبب الصعوبات الكثيرة التي تواجهها أثناء القيام برسالتها.

إن الطفل يسوع، الذي يتم تقديمه اليوم إلى الهيكل، هو حي في ما بيننا اليوم، ويقوينا بشكل لا مرئي، لكي نعمل معه بأمانة في عمل الخلاص، ولا يتخلى عنا أبدًا.

إن ليتورجية اليوم، مهمة أيضًا لأجل رمز النور. فزياح الشموع الذي قمتم به في بدء الاحتفال يرمز إلى المسيح، نور العالم الحق الذي يشع في ليل التاريخ وينير كل باحث عن الحقيقة.

أيها المكرسون والمكرسات الأعزاء، اتقدوا بهذه الشعلة واسنحوا لها أن تشع من خلال حياتكم، لكي يتألق في كل الأسقاع جزء من إشعاع يسوع، تألق الحقيقة. فبتكرسكم الكلي له (الحياة المكرسة، 15)، أنتم شهود لجاذبية حقيقة المسيح وللفرح الذي ينبع من حب المسيح. بالتأمل وبالعمل، بالعزلة وبالحياة الأخوية، بخدمة الفقراء والمهمشين، بالمرافقة الشخصية وفي "أريوباج" عصرنا، كونوا مستعدين للإعلان وللشهادة أن الله محبة، وأن محبته لذيذة.

فلتعلمكم مريم، "الكلية الجمال"، أن توصلوا لكل رجل وامرأة هذه السحر الإلهي، الذي ينبغي أن يرشح من كلماتكم ومن أعمالكم.

وبينما أعبر لكم عن عرفاني لكم للخدمة التي تقومون بها في الكنيسة، أؤكد لكم صلاتي وأبارككم من كل قلبي.