روما، 9 فبراير 2006 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي قراءات الأحد السادس من الزمن العادي، يليها مقتطفات من تعليق الأب رانييرو كانتالامسا الكبوشي، واعظ الدار الرسولية.
القراءة الأولى، إرميا 17، 5-8
هكذا قالَ الرَّبّ: مَلْعونٌ الرَّجلُ الَّذي يَتَّكِلُ على البَشَر ويَجعَلُ مِنَ اللَّحمِ ذراعاً لَه وقَلبُه يَنصَرِفُ عنِ الرَّبّ. فيَكونُ كالعَرعَرِ في البادِيَة فلا يَرى الخَيرَ إِذا أَقبَل بل يَسكُنُ الرَّمْضاءَ في البَرِّيَّة الأَرضَ المَالِحَةَ الَّتي لا ساكِنَ فيها. مبارَكٌ الرَّجُل الَّذي يَتَّكِلُ على الرَّبّ ويَكونُ الرَّبّ مُعتَمَدَه. فيَكونُ كالشَّجَرَةِ المَغْروسَةِ على المِياه تُرسِلُ أُصولَها إِلى مَجْرى النَّهْر فلا تَخافُ الحرَ إِذا أَقبَل بل يَبْقى وَرَقُها أَخضَر وفي سَنَةِ الجَفافِ لا خَوفَ علَيها ولا تَكُفُّ عن إِعْطاءِ الثَّمر.
القراءة الثانية، 1 قورنثوس 15، 12. 16-
20 فإِذا أُعلِنَ أَنَّ المسيحَ قامَ مِن بَينِ الأَموات، فكَيفَ يَقولُ بَعضُكُم إِنَّه لا قِيامةَ لِلأَموات؟ فإِن لم يَكُنْ لِلأَمواتِ مِن قِيامة، فإِنَّ المسيحَ لم يَقُمْ أَيضًا. وإِن كانَ المسيحُ لم يَقُمْ، فتَبشيرُنا باطِلٌ وإِيمانُكُم أَيضًا باطِل. بل نَكونُ عِندَئِذٍ شُهودَ زُورٍ على الله، لأَنَّنا شَهِدْنا على اللهِ أَنَّه قد أَقامَ المسيح وهو لم يُقِمْه، هذا إِن صَحَّ أَنَّ الأَمواتَ لا يَقومون. فإِذاكانَ الأَمواتُ لا يَقومون، فالمسيحُ لم يَقُمْ أَيضًا. إِنَّ المسيحَ قد قامَ مِن بَينِ الأَموات وهو بِكرُ الَّذينَ ماتوا.
الإنجيل، لوقا 6، 17. 20-26
ثُمَّ نَزَلَ معَهم فوَقَفَ في مَكانٍ مُنْبَسِط، وهُناكَ جَمعٌ كَثيرٌ مِن تَلاميذهِ، وحَشْدٌ كَبيرٌ مِنَ الشَّعْب مِن جَميعِ اليَهودَّية وأُورَشَليم، وساحِلِ صورَ وصَيْدا. وَرَفَعَ عَيْنَيْه نَحوَ تَلاميذِه وقال: (( طوبى لَكُم أَيُّها الفُقَراء، فإِنَّ لَكُم مَلَكوتَ الله. طوبى لَكُم أَيُّها الجائعونَ الآن فَسَوفَ تُشبَعون. طوبى لَكُم أَيُّها الباكونَ الآن فسَوفَ تَضحَكون. طوبى لَكمُ إِذا أَبغَضَكُمُ النَّاس ورَذَلوكم وشتَموا اسمَكُم ونَبذوه على أَنَّه عار مِن أَجلِ ابنِ الإِنسان. اِفرَحوا في ذلك اليَومِ واهتُّزوا طَرَباً، فها إِنَّ أَجرَكُم في السَّماءِ عظيم، فهكذا فَعَلَ آباؤهُم بِالأَنبِياء. لكِنِ الوَيلُ لَكُم أَيُّها الأَغنِياء فقَد نِلتُم عَزاءَكُم. الوَيلُ لَكم أَيُّها الشِّباعُ الآن فسَوفَ تَجوعون. الوَيلُ لَكُم أَيُّها الضَّاحِكونَ الآن فسَوفَ تَحزَنونَ وتَبكون. الوَيلُ لَكُم إِذا مَدَحَكم جَميعُ النَّاس فَهكذا فَعَلَ آباؤُهم بِالأَنبِياءِ الكَذَّابين.
كلمة الأب كانتالاميسا
إنجيل هذا الأحد، التطويبات، يؤكد لنا على بعض الاشياء التي سبق وذكرناها منذ أسبوعين، حول تاريخية الاناجيل. قلنا آنذاك بأن كلاًً من الإنجيليين الاربعة ودون المساس بالمعنى الحقيقي لكلمات يسوع، طوّر ناحية بدل أخرى، مأقلِماً إياها مع متطلبات الجماعة التي كان كل منهم يكتب اليها. وفي الوقت الذي يتحدث فيه متّى عن ثمان تطويبات يذكر لوقا فقط أربعة. ولكن لوقا يعزز أهمية هذه التطويبات الاربعة واضعاً قبالة كل واحدة منها نقيضتها. وفي الوقت الذي يتحدث فيه متّى بطريقة غير مباشرة “طوبى للفقراء”، يتحدث لوقا بطريقة مباشرة : “طوبى لكم انتم الفقراء”. متّى يركز على الفقر الروحي (طوبى للفقراء بالروح)، بينما لوقا يتحدث عن الفقر المادي (طوبى لكم انتم الفقراء). ولكن كل هذه التفاصيل لا تغيّر، كما نرى، في جوهر الأمور. كلٌّ من الإنجيليَين، وبطريقته الخاصة في سرد تعاليم يسوع، يسلط الأضواء على ناحية جديدة، ولكنه يظهر جلياً المعنى الحقيقي. عندما نتحدث عن التطويبات، يذهب بنا التفكير مباشرة الى الطوبى الأولى: “طوبى لكم أنتم الفقراء، لأن لكم ملكوت الله”. ولكن في الواقع، الآفاق أوسع من ذلك بكثير. يسلط يسوع الضوء في هذا المقطع من الانجيل على طريقتين لفهم الحياة: “إما من أجل ملكوت الله” او “من أجل العزاء الشخصي”، وبالتالي إمّا من أجل هذه الحياة، أو من أجل الحياة الابدية. وهذا ما حاول لوقا أن يُظهره: “طوبى لكم – الويل لكم”: “طوبى لكم انتم الفقراء، لأن لكم ملكوت الله… الويل لكم ايها الأغنياء، فقد نلتم عزاءكم “. فئتان من الناس، وعالمان. الى فئة أهل الطوبى ينتمي الفقراء، الجياع، الذين يبكون الآن والمضطهدين من أجل البشارة. أما فئة أهل الويل فينتمي الأغنياء، الشِّباع، الذي يضحكون الآن، والذين يمدحهم الناس.
لا يقدّس يسوع جميع الفقراء، الجياع، الذين يبكون الآن والمضطهدين، وكما أنه لا ينبذ بكل بساطة جميع الأغنياء، الشِّباع، الذي يضحكون الآن، والذين يمدحهم الناس. هذا التمييز أعمق بكثير ممّا نظن. علينا أن نرى على ماذا يبني الشخص أمانه، وعلى اية أرض يبني حياته: على الاشياء الفانية أم على الاشياء التي لا تفنى.
هذا المقطع من الإنجيل هو بالفعل سيف ذو حدّين: يفرِّق، ويقسم قدرين متناقضين. إنه كخط غرينيتش الذي يقسم شرق العالم عن غربه. ولكن لحسن الحظ مع فارق كبير. خط غرينيتش ثابت: فالأراضي الموجودة في الشرق لا يمكنها أن تعبر الى الغرب، كما هو ثابت أيضاً خطّ الاستواء الذي يفصل جنوب العالم الفقير عن شماله الغني. أما الخط الفاصل في إنجيلنا بين “أهل الطوبى” و”أهل الويل”، فهو خط متحرك. ليس فقط يمكن العبور من قطاع الى آخر، وإنما كل
صفحة الانجيل أرادها يسوع ليدعونا الى العبور الى الناحية الأخرى. دعوته لنا ليس دعوة لنكون فقراء، بل اغنياء! “طوبى لكم انتم الفقراء لأن لكم ملكوت الله”. لنفكر بالفقراء الذين يملكون ملكوتاً، ويملكونه الآن! هؤلاء الذين يقررون الدخول الى هذا النلكوت، هم منذ الآن ابناء الله. إنهم أحرار، إخوة، ننمتلئين من الرجاء بالحياة الأبدية. ومن لا يود أن يكون فقيراً بهذه الطريقة؟