روما، الإثنين 20 أكتوبر 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل اليوم العشرين من أكتوبر للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب “بندكتس”.
المسيحية كوحي
يمكننا أن نقول أن الإيمان المسيحي، أسوة بإيمان إبراهيم، هو أمر لا يمكن أن يزعم أحد ملكيته. فهو ليس أبدًا نتيجة عمل في داخلنا، بل يأتينا من الخارج. وما زال الأمر كذلك حتى الآن. ما من أحد يولد مسيحيًا، ولا حتى في عالم مسيحي ومن أهل مسيحيين. أن يكون المرء مسيحيًا هو دومًا ثمرة ولادة جديدة. الصيرورة المسيحية تبدأ مع المعمودية، التي هي موت وقيامة (رو 6)، وليست ولادة بيولوجية… الإيمان المسيحي ليس ثمرة خبرتنا الشخصية؛ بل بالحري هو حدث يأتي إلينا من الخارج. يرتكز الإيمان على لقائنا بشيء (أو بشخص) يتخطى قدرتنا على استيعاب الأمور. لسنا بصدد توسع وتعمق لخبرتنا، بل بصدد حدوث أمر ما. تصف مفاهيم “اللقاء” و “الآخَرية”، و “الحدث” الأصول الداخلية للإيمان المسيحي وتبين لنا حدود مفهوم “الخبرة”. بالطبع، يولِّد ما يلمسنا هناك خبرة ما، ولكن هذه الخبرة هي نتيجة حدث، وليست نتيجة غوص أعمق في ذواتنا. هذا هو بالضبط معنى مفهوم الوحي: هو أمر ليس خاصتنا، ولا يمكننا أن نجده في ممتلكاتنا، بل هو يأتي إلي ويخرجني مما هو لي، أبعد من ذاتي، ويخلق أمرًا جديدًا. وهذا الأمر يحدد طبيعة المسيحية التاريخية، التي ترتكز على أحداث لا على التوصل إلى وعي أعمق للذات الباطنية، أي ما يعرف بـ “الاستنارة”. الثالوث ليس عنصرًا من عناصر خبرتنا بل هو واقع يأتينا من الخارج، يأتي إلي من الخارج كـ “وحي”.