مقابلة مع غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير
بقلم طوني عساف
روما، الإثنين 20 أكتوبر 2008 (zenit.org). – على هامش أعمال السينودس، أجرت وكالة زينيت العالمية مقابلة، اليوم الإثنين، في مقر الوكالة البطريركية المارونية في روما، مع نيافة الكاردينال، غبطة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير، تطرق خلالها الى السينودس وتأثيره على الكنيسة في الشرق الأوسط، والى وضع اللبنانيين عامة والمسيحيين خاصة في لبنان وبلدان الاغتراب، داعياً اللبنانيين الى التفاهم والتآلف والى وضع مصلحة الوطن فوق كل مصلحة شخصية لأن “الانقسام ما كان يوماً مفيداً”.
غبطة البطريرك، في كلمتكم الى آباء السينوس، تحدثتم عن الرجاء، رجاء متعلق بحضور المسيحيين في لبنان، وبالحوار بين الأديان في لبنان. ما هي العناصر الواقعية والعملية لهذا الرجاء؟
نحن أولاً مؤمنون، ومن كان مؤمناً فإنه يرجو وإن عليه أن يحافظ على فضيلة الرجاء مثلما يحافظ على فضيلة الإيمان. ليس هناك ما يمكننا الاعتماد عليه بشرياً، فنحن موجودون في الشرق منذ بدء المسيحية حتى اليوم، ولا نزال موجودين بإذن الله. طبعاً الأحوال تقلبت، وربما السنوات الماضية القديمة، كانت أصعب من السنوات التي نعيشها في هذه الايام، وظللنا تحت النير التركي خمسمائة سنة، ومع ذلك ظل الموارنة والمسيحيون على وجه الإجمال في هذا الشرق. نمر اليوم بأيام صعبة، ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك ولذلك فإن الكثيرين يهاجرون ويذهبون الى بلدان بعيدة، وقد رأيناهم مثلاً في أستراليا وفي أفريقيا الجنوبية وفي الولايات المتحدة، ورأيناهم في البلدان العربية، في قطر حيث كنا في شهر مايو الفائت. إن ما يصعب على الشباب اللبناني، وخاصة في هذه الأيام، أنهم يحصلون علوماً عالية وينالون شهادات عليا ولا يجدون عملاً، فيضطرون للذهاب الى بلد آخر، إما الى بلد قريب كالبلدان العربية وإما الى بلد بعيد كأمريكا وغيرها. ولكن من يذهب الى بلدان بعيدة قد لا يعود، والذين يذهبون الى بلدان قريبة قد يعودون.
خلال الجمعية العامة للسينودس، تم التطرق الى دور العلمانيين في فهم وخدمة الإنحيل. ما هو البرنامج الذي ستضعه الكنيسة المارونية قيد التنفيذ لكيما لا تبقى هذه المقررات والمقترحات “حبراً على ورق”؟
للعلمانيين بالطبع دورهم في الشأن الكنسي وفي الشأن الإيماني، ولكن لا يمكننا الآن أن نقول ما هي الوسائل التي سنضعها في متناول العلمانيين. هذا أمر يجب التفكير به ومعالجته مع السادة الأساقفة في اجتماع عام حول هذا الموضوع.
في بعض مداخلاته قال الأب الأقدس إنه على السينودس أن يضع رجاء أكبر في الشباب ليفهموا ويعيشوا ويختبروا كلمة الله. ماذا تفعل الكنيسة المارونية في هذا الصدد؟ وهل هناك مشاريع جديدة ستتناولونها مع الأساقفة للعمل على توعية الشباب لدورهم البالغ الأهمية؟
الكنيسة تهتم بأبنائها. هناك الرعية والحركات الشبابية والمدارس الكاثوليكية التي تلقن مبادىء التعليم الديني. من خلال كل ذلك تحاول الكنيسة أن ترسخ المفاهيم الدينية في نفوس الشباب.
المسيحيون في الشرق الأوسط يتألمون، وخاصة في لبنان والعراق والأراضي المقدسة. هل يمكننا أن نقول بأنهم الكنيسة المضطهدة؟ أو القسم المضطهَد من الكنيسة الجامعة؟ ما هي رسالتكم لكنيسة الغرب وما هو الدور الذي يمكن لكنيسة الغرب أن تلعبه في هذا الصدد؟
الكنيسة هي الكنيسة حيثما كانت سواء في الشرق أم في الغرب. اما إذا كان المسيحيون يلاقون صعوبات في الشرق فهذا ليس بالأمر الجديد وقد اشرنا الى أنهم قضوا خمسمائة سنة تحت النير التركي ولم يكن لهم الحرية في ممارسة إيمانهم المسيحي، ولا يزال هذا الأمر على ما هو اليوم. هناك مجال للهجرة وهم يهاجرون ولا ندري إذا كانت الأمور ستستمر على هذا الوجه أم ستتغير. هناك مثل يقول: “لا يغير الله ما في قوم حتى يغير ما في نفوسهم”. ونحن نأسف شديد الأسف أن المسيحيين – ونتكلم هنا عن لبنان – منقسمون على ذاتهم فيما يوجب عليهم الوضع أن يجمعوا صفوفهم وأن يأخذوا موقفاً واحداً. وحتى الآن منهم من يقول بأن هذا الأمر مفيد، ولكن الإنقسام ما كان يوماً مفيداً.
كيف تتوقعون أن يؤثر سينودس الأساقفة على المسيحيين ووضعهم في الشرق الأوسط؟
السينودس له وقع جيد لدى المسيحيين. وكل سينودس يحاول أن يجمع صفوف المسيحيين وأن يحملهم على ممارسة إيمانهم. والإيمان هو الذي يدعوهم الى مخافة ربهم، ومن خاف ربه فإنه يعمل بوصاياه ويحاول أن يوثق عرى الصداقة معه ومع قريبه. الإيمان لا يكون إلا بمحبة القريب، وإذا لم تكن هناك محبة للقريب، فالإيمان كاذب.
في مداخلتكم في السينودس قلتم إن وضع المسيحيين في لبنان يزداد حساسية وصعوبة يوماً بعد يوم. يقل عددهم، عاماً بعد عام، هل هناك من رسالة توجهونها لأصحاب القرار في لبنان والعالم لتفادي استمرار ما حصل ويحصل في لبنان منذ أربعين سنة؟
الرسالة هي عينها، نوجهها من لبنان قبل أن نوجهها من هنا. ونحن ندعو جميع المسيحيين الى التآلف والتفاهم والتعاضد والتآزر في كل ما يقدمون عليه، ولكن الوضع لسوء الحظ هو على غير ما نرجو، واللبنانيون منقسمون على ذواتهم لأسباب خارجية. فمنهم من هو مع هذا البلد ومنهم من هو مع البلد الآخر، وهذا ما يزيدهم انقساماً ويزيدهم أيضا
ً حرجاً في مواقفهم.
“عودوا الى لبنان. عودوا ولو لأيام معدودة”، هذا ما قلتموه في كلمتكم التي توجهتم بها يوم الأحد الى اللبنانيين في روما. كيف يمكن للبنانيين المغتربين، الذي بنوا حياة جديدة في الخارج، أن يسهموا في هذا الرجاء، دون أن يدمروا ما بنوه ليعودوا ويعيشوا في لبنان؟ ما هي ضماناتهم في هذه الظروف التي يمر بها لبنان؟
نحن لا ندعوهم الى الإقامة في لبنان والعودة اليه لإقامة دائمة، وإنما على الأقل بإمكانهم أن يزورونه كما يزورون بلداناً أخرى ولو لمدة شهر، كما يزورون روما على سبيل المثال. وقد رأينا – إذا صح التعبير- جحافل الزوار يأتون الى روما ويملأون الشواع والساحات. فليذهبوا أيضاً الى لبنان، بلدهم الأصيل. وإذا كانت الظروف لا تسمح لهمبالإقامة الدائمة في لبنان فليذهبوا إليه كما قلنا لإيام معدودة.
كلنا يعلم بأن موقع البطريرك الماروني هو بغاية الأهمية وحساس جداً في لبنان. على ماذا تستندون في تقديم مداخلاتكم وإصدار بياناتكم، والى ماذا ترتكزون في القرار حول متى وكيف تتدخلون؟
نحن نستند قبل كل على الله الذي دعانا الى شغل هذا المنصب. ونستند الى الحقيقة كما نراها، ولذلك نحن نسعى جهدنا لكي لا نحيد لا يمنة ولا يسرة، وإنما نذهب الى الحقيقة كما هي، ونقولها جهراً أمام جميع الناس. ربما منهم من يغضبون ومنهم من يفرحون، ونحن لا نتعمد أن يغضب هذا ولا أن يفرح ذاك، إنما نقول الحقيقة كما هي دون أخذ خاطر أحد.
حديث الانتخابات اللبنانية على لسان الجميع. ما هي رسالتكم للناخب المسيحي؟ الى ماذا يجب أن يرتكز في قراره واختياره؟
الناخب اللبناني ككل ناخب في بلدان العالم، في البلدان الديمقراطية، يجب أن يرى أين هي مصلحة البلد من انتخاب هذا أو ذاك، وإذا كان له من مفاضلة فعليه أن يختار الرجل الذي يخدم المصلحة العامة قبل أن يخدم المصلحة الخاصة، وإذا سار في هذا الطريق أعتقد بأنه يسلك الطريق الصحيح، ولكنه إذا كان يتلمس مصلحته فقط فهذا ليس بالشيء الحسن.
