روما، الاثنين 27 أكتوبر 2008 (zenith.org). – ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها المونسنيور تشيلستينو ميليوري، رئيس وفد الكرسي الرسولي، في إطار الدورة العادية الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، أمام اللجنة الأولى حول موضوع “نزع السلاح الشامل والكامل”.
سيدي الرئيس،
شهران يفصلانا عن الاحتفال بالذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذا الحدث يدعونا إلى تجديد التزامنا بنزع السلاح، والتنمية، والسلام. إن جميع الدول مدعوة إلى تعزيز نزع السلاح والحد من انتشاره كعنصرين أساسيين لنظام دولي تتحقق فيه بشكل كامل الحقوق والحريات الأساسية لكل فرد.
ويتعرض السلام والأمن لتهديدات الإرهاب، وأكثر من ذلك لتهديدات العنف الواسع الانتشار، وإهمال حقوق الإنسان، والتخلف. بما أن الإنسان هو الهدف الأساسي لدى جميع السياسات العامة، يجب أن يكون لتنظيم الأسلحة، ونزع السلاح، والحد من انتشاره، مقاربة مشتركة أو أهم من ذلك مقاربة إنسانية. من خلال عدم التفكير في التأثير الاجتماعي، الاقتصادي، النفسي، والأخلاقي الذي يتركه التسلح، تصبح سياسات نزع السلاح، وضبطه لعبة هدنة مسلحة بين الدول.
ونشهد في الواقع صراعاً ينشأ بين السياسات العسكرية والأمنية. وتناضل الأسرة الدولية من أجل مكافحة الإرهاب النووي باعتماد معايير صارمة تحظر إنتاج هذه الأسلحة، والحيازة عليها، ونقلها. بالمقابل، تواصل العديد من الدول تجديد ترساناتها النووية أو الحيازة عليها على المستوى الوطني. ونتيجة لذلك، ينشأ أيضاً نوع من الصراع بين السياسات الأمنية والتنمية. وتطمح الدول، وبخاصة القوى الكبرى، إلى حد أعلى من الحرية الوطنية في المجال النووي، وفي الوقت عينه إلى أشكال حادة من المراقبة الدولية والإقليمية.
إن هذا الأمر يفسر بشكل كبير قلة الاهتمام بالامتثال الكامل لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وبالتوصل إلى النصاب الضروري لبدء نفاذ معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.
كما أنه يخالف نشاط الأمم المتحدة، ولا يؤدي إلى بناء السلام الدائم والمستدام. ويعتبر تنظيم الأسلحة، ونزع السلاح النووي، والحد من انتشاره العناصر الأساسية لاستراتيجية شاملة لصالح حقوق الإنسان، والتنمية، والنظام الدولي.
على الرغم من الاتجاه السلبي للتعددية القطبية ، قامت مجموعة من 107 دول، في الربيع الماضي في دبلن، باعتماد اتفاقية الذخائر العنقودية بدعم من 20 دولة مراقبة، ومنظمات عالمية، وائتلاف من المنظمات غير الحكومية، وسيتم توقيع هذه الاتفاقية في 3 ديسمبر 2008 في أوسلو. إن الكرسي الرسولي، ولكونه عضو من المجموعة الأساسية في عملية أوسلو، هو مسرور جداً بهذا الإنجاز، إذ أن هذه الاتفاقية الجديدة، بالإضافة إلى أنها تسد فجوة خطيرة في القانون الإنساني، فهي أيضاً تجد حلاً جازماً وواقعياً لمشكلة مستمرة، تتميز ليس فقط بالاستخدام العشوائي للذخائر العنقودية، لا بل أيضاً بإمكانيتها على البقاء الخامل تحت الأرض لسنوات عديدة، وعلى إحداث تأثير مدمر في الحياة اليومية لآلاف المدنيين حول العالم، فور إيقاظها.
إن عملية أوسلو لا تشكل فقط خطوة سياسية وقانونية مهمة وإيجابية، لا بل تشكل أيضاً إشارة تحذيرية. والواقع أن اتفاقية الذخائر العنقودية، شأنها شأن اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، تم التفاوض بشأنها واعتمادها خارج إطار المؤتمر حول نزع السلاح. وكما تشدد الجمعية العامة الثانية والستين، فإن التعددية القطبية هي “المبدأ الأساسي في حل مسألتي نزع السلاح والحد من انتشاره” (قرار 62/ 27). إن الكرسي الرسولي يشاطرها هذا الرأي ويدعم الخطة لعقد دورة استثنائية رابعة للجمعية العامة حول نزع السلاح،مما يعزز التعددية القطبية ضمن منظمات دولية وبخاصة المؤتمر حول نزع السلاح.
نحن بحاجة إلى عكس اتجاه تآكل التعددية القطبية إلى مجال تنظيم الأسلحة، ونزعها، والحد من انتشارها. والمؤتمر حول نزع السلاح لم يضع أي برنامج عمل لأكثر من 10 سنوات، كذلك يُعتبر فقدان الإرادة السياسية ضمن الأسرة الدولية في ما يخص هذه المشاريع أمراً مربكاً. ولكن من المعروف بأنه من الممكن التقدم أكثر من خلال مقاربة مبنية على حوار مسؤول، صادق، ومتماسك، وتعاون بين جميع أعضاء الأسرة الدولية، أكثر منه من خلال مقاربات فردية ومغايرة.
إن اعتماد معاهدة تجارة الأسلحة أمر غير مؤكد. ونظراً إلى تعقيدات تجارة الأسلحة المرتبطة أيضاً بزيادة نسبة تبادل السلع والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، فإن شفافية أكبر يكون من شأنها المساهمة في الأمن الحالي، وتشكيل مقدمة لحد مستقبلي لتجارة الأسلحة. وهنا، لا بد من التذكير بالقرار 62/ 13 الذي اتخذته الجمعية العامة حول “المعلومات الموضوعية عن المسائل العسكرية، بما في ذلك شفافية النفقات العسكرية”، وبالقرار 62/ 26 الذي يتعلق “بالقانون الوطني حول نقل الأسلحة، والتجهيزات العسكرية، والسلع والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج”.
أخيراً، تتحول مسألة نزع السلاح إلى مسألة أكثر تعقيداً، الأمر الذي يدعونا إلى العودة إلى مشاكل عامة كإصلاح هذه المنظمة، والإصلاح الإجرائي والبنيوي للمؤتمر حول نزع السلاح، والنزعة إلى تداخل الاقتصاد المدني والعسكري، وقلة انسجام السياسات المعتمدة في القطاعات الاستراتيجية.
في هذا الإطار، يوجه الكرسي الرسولي دعوة إلى الأسرة الدولية من أجل اعتماد دقة أكبر وبذل جهود أكثر في
تعزيز التعايش السلمي، وبقاء العائلة البشرية جمعاء، ويعتبر أن أفضل صيغة للنجاح هي التعاون والشراكة بين الدول، والأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، والمجتمع المدني.
شكراً سيدي الرئيس
نقلته من الإنكليزية إلى العربية غرة معيط – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)