في تعليمه بشأن لاهوت الصليب لدى القديس بولس
بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الأربعاء 29 أكتوبر 2008 (Zenit.org). – تحدث الأب الأقدس بندكتس السادس عشر في تعليم الأربعاء اليوم عن لاهوت الصليب عند القديس بولس، مشيرًا في مطلع حديثه إلى أن الرسول أدرك محورية الصليب في لقائه بيسوع على طريق دمشق حيث فَهِمَ أن يسوع مات على هذا الصليب وقام من أجل الجميع ومن أجله هو. ومن هنا شمولية الخلاص وشخصانيته في الوقت عينه.
وشرح الأب الأقدس أن “إنجيل النعمة” – المرتكز لا على الاستحقاقات الذاتية بل على نعمة الله المجانية – هو بالنسبة لبولس السبيل الوحيد لفهم الصليب. فالصليب هو للخلاص بالنعمة المعطاة لكل الخلائق.
<p>وإنطلاقًا من كلمات الرسول:”إن كلمة الصَّليبِ حَماقةٌ عِندَ الَّذينَ يَسلُكونَ سَبيلَ الهَلاك، وأَمَّا عِندَ الَّذينَ يَسلُكونَ سَبيلَ الخَلاص، أَي عِندَنا، فهي قُدرَةُ اللّهُ… حَسُنَ لَدى اللّه أَن يُخَلِّصَ ألمُؤمِنينَ بِحَماقةِ التَّبشير. ولَمَّا كانَ اليَهودُ يَطُلبونَ الآيات، واليونانِيُّونَ يَبحَثونَ عنِ الحِكمَة، فإِنَّنا نُبَشِّرُ بِمَسيحٍ مَصْلوب، عِثارٍ لِليَهود وحَماقةٍ لِلوَثنِيِّين” أوضح الأب الأقدس أن في الصليب “تتجلى كل قوة حب الله اللامحدود”، لأن الصليب “هو تعبير عن الحب، والحب هو القوة الحقة التي تتجلى في هذا الضعف الظاهري”.
الصليب قوة الله لأنه قوة الحب
ثم أشار بندكتس السادس عشر إلى أن بولس قام شخصيًا ومرات عدة بخبرة رفض البشرى المسيحية، التي يتم اعتبارها “حماقة”، خالية من الأهمية، ولا تستحق بأن يعتبرها المرء على صعيد المنطق العقلاني”. لأنه “بالنسبة لمن مثل اليونانيين كان يرى الكمال في الروح، في الفكر الصافي، كان أمرًا غير مقبول أن الله يستطيع أن يضحي بشرًا، وأن يعتنق كل محدوديات الزمان والمكان. وكان غير مفهوم على الإطلاق الإيمانُ بأن إله يستطيع أن ينتهي به الأمر على الصليب! ونرى كيف أن هذا المنطق اليوناني هو منطق زماننا أيضًا”.
وتساءل الأب الأقدس أمام صعوبة فهم العالم للصليب عما جعل بولس من كلمة الصليب هذه بالذات النقطة الأساسية في تبشيره. لافتًا إلى أن الجواب ليس صعبًا: لأن الصليب يكشف عن “قوة الله” التي تختلف عن القوة البشرية؛ يكشف عن حبه: “الحَماقَةَ مِنَ اللّه أَكثَرُ حِكمَةً مِنَ النَّاس، والضُّعْفَ مِنَ اللّه أَوفَرُ قُوَّةً مِنَ النَّاس”.
وتابع البابا: “الصليب هو الحكمة، لأنه يكشف حقًا عن هوية الله، كقوة حب يصل حتى الصليب لكي يخلص الإنسان. يستعين الله بأساليب ووسائل تبدو لنا مجرد ضعف لأول وهلة. يكشف الصليب من ناحية عن ضعف الإنسان، ومن ناحية أخرى، عن قوة الله الحق، أي مجانية حبه: إن هذه المجانية التامة في الحب هي الحكمة الحقة”.
كما وبيّن البابا أن الصليب في لاهوت بولس هو أداة إنجيل المصالحة، مع الله، ومع الإخوة وخلص إلى القول: “نحن أيضًا يتوجب علينا أن ندخل في “خدمة المصالحة”، التي تتطلب التخلي عن الامتيازات الشخصية، وخيار حماقة المحبة”.
وختم قائلاً: “لقد تخلى القديس بولس عن حياته الشخصية مقدمًا ذاته بالكلية إلى خدمة المصالحة، إلى خدمة الصليب الذي هو خلاص لنا جميعًا. وهذا ما يجب أن نتعلم القيام به نحن أيضًا: يمكننا أن نجد قوتنا في تواضع الحب، وحكمتنا في ضعف التخلي لكي ندخل بهذا الشكل في قوة الله. يجب علينا جميعًا أن نبني حياتنا على هذه الحكمة الحقة: ألا نعيش لأجل ذواتنا، بل أن نعيش في الإيمان بذلك الإله الذي نستطيع أن نقول عنه: “أحبني وبذل ذاته لأجلي”.