جل الديب ، الأربعاء 7 أكتوبر 2009 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي نداء اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام في لبنان، بشأن الأزمة السياسية في البلاد، وزعه المركز الكاثوليكي للإعلام.
نداء إلى ضمير المسؤولين السياسيين
من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام
إلى متى الإمعان في عدم تشكيل السلطة التنفيذية، المتمثلة بمجلس الوزراء، وبالتالي تأزيم الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية في لبنان التي قد تؤدي، إذا ما استمر تفاقمها، إلى زواله بكل مقوماتة، وعبثاً عندها أي محاولة مهما عظمت أن تبعث الحياة فيه؟
سؤال تطلقه اللجنة الاسقفية لوسائل الإعلام، بأسم الكنيسة، وتريده نداءً الى ضمائر المسؤولين السياسيين، بإزاء القلق الذي يعيشه الشعب اللبناني، على رغم تدفق رؤوس الأموال الى الوطن والودائع والأعداد الكبيرة من المهاجرين والمسافرين الذين جاؤوا لتمضية فترة في ربوع الوطن. هذا السوال-النداء هو صرخة ألم من الواقع الذي يعيشه المواطنون، ومحاولة لايقاظ ضمائر المسؤولين والمعنيين على حد سواء.
1 . الوضع السياسي
يعيش لبنان منذ نحو أربعة أشهر أزمة سياسية قاسية بنتيجة المماطلة في تأليف الحكومة، وعلى رغم التكليف الثاني للرئيس المكلف، وقد لا يبدو في الأفق أي تأكيد لإمكان نجاح التأليف في وقت قريب وهذا طبعاً يؤدي إلى أزمة تنعكس على كل القطاعات. كيف لا، والموازنة لا توضع ولا تقرر منذ أربع سنوات، واعتمادات المصاريف لا تخضع لمقياس علمي، والمديونية العامة تتفاقم ارتفاعاً، والسلطة التشريعية غائبة عن مناقشة الدَين العام منذ أعوام.
وما نخشاه أن يعتاد المواطنون على هذا الواقع ويتأقلمون مع انعدام المحاسبة والرقابة القانونية التي انتخب لها نواب الأمة. فما معنى وجود مجلس نيابي كسلطة للتشريع والمحاسبة والمسائلة، وما معنى وجود مجلس وزراء كسلطة تنفيذية، طالما الاول معلّق نشاطه، والثاني معطل تأليفه؟
2. الوضع الاقتصادي والمعيشي
هذا الوضع يزداد تازماً بسبب التمادي في تعطيل المؤسسات الدستورية: فها مؤسسات كبرى آخذة في صرف موظفيها وعمالها بدءاً بالمصارف، وصولاً إلى المصانع والمؤسسات الاستشفائية، مروراً بالمؤسسات الإعلامية ولا سيما البارزة منها، الأمر الذي يضيف إلى مشاكل اللبنانيين مشاكل أخرى كانوا حتى الأمس القريب مطمئنين إلى استحالة حصولها.وها المضاربات والمنافسات الخارجية باليد لعاملة والبضائع آخذة في ضرب قطاعين حيويّن، هما الصناعة والزراعة بشقيها النباتي والحيواني، وفي اغراق الأسواق اللبنانية بالناتج الخارجي على حساب الناتج المحلي، والامعان في اغلاق اسواق العمل بوجه اللبنانيين ولاسيما الشباب منهم وفي دفعهم إلى الهجرة، لتضيف إعدادا جديدة من المهاجرين على الأعداد والنسب التي تضمنها “تقرير التنمية البشرية للعام 2009″، الذي اطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بيروت، والذي أشار إلى أن 3,3 % من لاجئي العالم هم لبنانيون.
3. الوضع الاجتماعي والخدمات العامة
اين المسؤولون السياسيون من معالجة المشاكل المتفاقمة في مقومات الحياة الكريمة التي تليق بالإنسان الذي خلقه الله على صورته ومثاله؟ أين هم من معالجة مشاكل الاستشفاء والطبابة والضمان بشقيه الاجتماعي الرسمي والتأمين الخاص، والتعليم وبخاصة في مرحلتيه الابتدائية والمتوسطة، ودعم المدارس الخاصة بما فيها المدارس الكاثوليكيّة، وتحسين اوضاع المدارس الرسميّة وإعادة الثقة بها. واين هم من الحدّ من مشاكل المياه في بلد المياه، والكهرباء والهاتف والفواتير المضاعفة والديون الضخمة المتراكمة على مؤسسة كهرباء لبنان منذ سنين طويلة وحتى اليوم ولا مراقب، والعجز الذي أصبح في هذه المؤسسة، وديونها المستحقة للبلديات والتي تقدر بملايين الدولارات، وارتفاع أسعار المحروقات على أبواب فصل الشتاء.
4 . الوضع الأمني
مع التقدير للجهود التي تبذلها القوى العسكرية والأمنية على كل الصعد، فالقلق يخنق النفوس من جراء استمرار ظاهرة التعرض لهذه القوى، وكان آخرها في مجدل عنجر حيث تعرض الجيش لإطلاق نار، أو في عكار حيث أصيب أحد عناصر قوى الأمن، والعبوات التي عادت لتلقى تحت جنح الظلام، والاعتداءات الهادفة، على ما يظهر، إلى إشعال نار فتنة بين منطقة وأخرى من طوائف مختلفة، وكان اخرها ما جرى بالأمس في عين الرمانة من التعديات المستنكرة والتي تنذر بما هو أدهى. وما القول عن “الازدهار” الحاصل في سرقة السيارات والتعدي على الناس في وضح النهار، والمتاجرة بهذه السرقات، اذ يطالب السارقون بثمن معين لكل سيارة مسروقة ليتمكن صاحبها من استعادتها؟ والادهى من ذلك والمخزي هو أن القاصي والداني بات يعرف المتهمين وأماكنهم، وثمة بلاغات بحث وتحّرٍ ومذكرات توقيف بالمئات في حق المرتكبينن كما في حق المتاجرين بالممنوعات، وهم معروفو الهوية ومكان السكن، حتى بدا واضحاً لكل مواطن أنهم جهة محمية وممنوع التعرض لها.
5. الشحن المذهبي
إن المشكلة، التي تزيد خطورةً الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، هي مشكلة الصراع المذهبي التي تُدخل لبنان وشعبه ومصيره في خضّم المحاور الاقليمية التي تهدد الاستقرار والامن والسلام في بلدان الشرق الاوسط، في حين ان لبنان يحتاج الى تحييد، لكي يلعب دوره كبلد نموذجي للحوار الديني والثقافي العالمي، وبلد الانفتاح على جميع الدول بروح الصداقة وال
تعاون والاحترام المتبادل، ولكي يلتزم قضايا المنطقة والعالم في كل ما يختص بالسلام والعدالة والحقوق وترقي الشعوب ( شرعة العمل السياسي… ص، 32، ب).
ان الشحن المذهبي، اذا استمر انما ينذر بالانتقال إلى الشارع، وهو أمر يهدّد كيان الوطن وصيغته والسلم الاهلي برمته.
هذا النداء، وهو صرخة وجع، انما يدعو المسؤولين السياسيين بكل انتماءاتهم إلى الإسراع في تاليف الحكومة، والتضحية حتى بمقاعد وزارية والارتفاع فوق المصالح الخاصة وعدم وضع شروط، وشروط مضادة لئلا نصل إلى وقت لا ينفع فيه الندم.
وإذ نحذر من ثورة الناس، بل نعجب لعدم حصولها حتى الآن، في ظل تضييق سوق العمل على الشباب، وعدم قدرة الأهل على تمكين أولادهم من متابعة دروسهم العادية والجامعية كما يشتهون، فإننا نخاطب ضمائر المسؤولين السياسيين وكل المعنيين، في هذه السنة الكهنوتية، وفي سنة يوبيل القديس منصور دي بول أبي الفقراء، ومع تطلعنا إلى تطويب المكرّم الأخ اسطفان نعمة ومن بعده البطريرك الكبير اسطفان الدويهي ابي التاريخ اللبناني، ومع بدء الاستعداد لعقد جمعية خاصة بالشرق الاوسط لسينودس الاساقفة الروماني، وندعوهم لينظروا بعين الحكمة والمسؤولية إلى هذا البلد “الرسالة” قبل أن يفقد رسالته.