في الليل ينادي

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم جميلة ضاهر موسى

القبيات، الجمعة 11 ديسمبر 2009 (Zenit.org). – ليلة مظلمة حملت كمًّا من الألم والأسى في نفس يوسف، خطّيب مريم، ذاك الشاب الذي أحبّ الفتاة الجميلة العفيفة، واختارها شريكةً في أجمل وأطهر ارتباط. زوجيّ، بادىء الأمر صُعِق يوسف لِخَبَر حَبَلِها واحتار في ما يفعله إزاء ذلك. فأيّ قرار يتّخذه بهذا الشأن قد يتحوّل إلى سيف مسلّط فوق عنقها سواء أكان طلاقًا أم تشهيرًا بما فعلته. كما وأنّه لم يكن لِيرضى بأبوّةِ طفلٍ ليس من صلبه، فوقع في حيرةٍ من أمره. لكنّ صلاحه كان قد صهر فيه النّبل والشَّهامَة، وعجنه بالحكمة، فقرّر أن يختار الحبّ الشجاع “وهَمَّ بتخليةِ مَنْ أحبّها سرًّا.”

لأجل هذا الحبّ الطاهر، الصادق والعميق إختاره الله شريكاً أساسيًا ليُتِمَّ فيه مشروع الخلاص، فناداه في الليل، وأخبره عن حقيقة دعوته، فآمن بها. وأخذت “النعمة المتجسّدة ” تنمو بين نَعَمِ مريم ونَعَمِ يوسف.

إنّه وفي حقبة مصيريّة من تاريخ الإنسان، قرّر يوسف المَضِيّ في المشروع الإلهيّ مرتكزّا على الإيمان بالله وأمانته،كجدِّه إبراهيم، سالكًا عكس التّيّار في عصرٍ كانت الشريعة تجسّد الإله، واحترامها مفروضًا؛ أمّا العدالة والحقّ فكانا مرتبطَين بحروف الشريعة لا في روحها. لقد تخلّى عن مشروعه الخاص بالزواج في سبيل الحصول على الأفضل، بائعًا كلّ ما يملكه من تطلّعاتٍ شخصيّة مشتريًا تلك “اللؤلؤة الثمينة” من أجل الأفضل. “فجاء بامرأته إلى بيته” كما طلب منه الملاك، متحدّيًا ذاته  الإنسانيّة كرجلٍ، واثقًا بالكلمة المقدّسة، آخذَا على عاتقه مسؤوليّة أبّوة يسوع، ابن الله، ورعايته مع مريم، عروس الروح. هكذا أضحى مع مريم أوّل من خُتِمَ في سجلّ الأبرار القدّيسين،، حائكًا تلك “القطبة المخفيّة” بين الله والإنسان.

 ماذا يوحي لنا يوسف اليوم؟ ماذا نستخلص من حياته؟ هل يمكننا التخلّي عن مشروعٍ شخصيٍّ من أجل الحبّ الأكمل؟ كيف نتعاطى مع من يخطىء إلينا؟ هل نحطِّم الآخرين إن أخطؤا كي نَسْلَم نحن؟ هل نخاف الحيرة، أم نعرف أنّها السبيل  الوحيد لإدراك الحقّ؟  هل نحسن التفكير ساعة نحتار في اتّخاذ القرارات المصيريّة؟ ما الّذي يدفعنا للإختيار: العقل، العاطفة، المصلحة الشخصيّة أو الجَماعيّة؟ هل ندرك أنّنا في كلّ مرّة نبحث فيها بجدّيّة المؤمن عن حلّ أو جواب واضح وخيّر يعني أنّنا لسنا مُسَيَّرين بل مخيّرين، أقوياء، لنا الجرأة في اتّخاذ  القرار الملائم؟

ربّما القِيَم في أيّامنا، دخلت في ليلٍ مظلمٍ، وبات ضجيج العالم أقوى من صوت الحقّ والحقيقة، فأضحت صَرْعى، لا تبني ولا تنتظر التأنيب. لقد باتت لامسؤولة، صمّاء وضريرة، تهيم بصاحبها في غابات الضياع، فتُفقِدُهُ هويّته وانتمائه ومسؤوليّاته، ثمّ تصمّ أذنيه عن صوت الإيمان في داخله، جاعلةً منه آلةً منقادةً في مجرى الذات السطحيّة الفارغة.

لنفتح بصائرنا في ليلنا المظلم والمؤلم أحيانًا، ولْنؤمن أنّه من عمق الأنين الصامت سوف نسمع همسة الحبّ الّتي ننتظر. سوف نكتشف في ذواتنا “ألماسة” دفينةً شذّبتها المحنة، وأظهر جمالها ونبلها الألم. أمّا الإيمان  بالله وبأمانته، فقد حوُّلاها إلى جوهرةٍ ثمينةٍ تتشوّق إلى الضوء، منتظرةً نَعَمَ تحمِل إليها، مثل يوسف، الأبن وأمّه إلى بيت حياتنا، كي ننطلق سويًا، مع عائلة الناصرة، بسكون وسلام وطمأنينة، بعيدًا عن ثرثرة العالمِ وضوضائه.

موقع القبيات الإلكتروني

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير