بقلم الخوري نسيم قسطون
القبيات، الجمعة 11 ديسمبر 2009 (Zenit.org). – نقدم نص رسالة قداس الأحد بحسب الطقس الأنطاكي السرياني الماروني مع تعليق مقتبس من “نشرة الأحد” – موقع القبيات الإلكتروني.
* * *
مدخل
– أحد البيان ليوسف هو الأحد الخامس من زمن الميلاد وتدعونا الكنيسة فيه، من خلال نصّين من الرسالة إلى أهل أفسس ومن إنجيل متى، إلى تأمّل “سرّ” الخلاص الّذي تحقّق في تجسّد الكلمة الإلهيّ – ربّنا يسوع المسيح – ، واكتمل في موته وقيامته!
– ففي الرسالة إلى أهل غلاطية نتأمّل مع مار بولس في شموليّة الخلاص إذ “أَنَّ الأُمَمَ هُم، في الـمَسِيحِ يَسُوع، شُرَكَاءُ لَنَا في الـمِيرَاثِ والـجَسَدِ والوَعْد، بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيل”.
– أمّا في إنجيل لوقا فيتوضّح لنا هدف الخلاص من خلال كلام الملاك الموجّه إلى يوسف: “…وسَوْفَ تَلِدُ ابْنًا، فَسَمِّهِ يَسُوع، لأَنَّهُ هُوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُم“.
– في هذا الأحد، تدعونا الكنيسة إذاً، لنقبل يسوع المسيح كمخلّصٍ لنا وللآخرين، فلا يحقّ لنا الاستئثار بخلاصه. كما تحثّنا لكي نحمل بشرى خلاصه إلى كلّ من نلتقي به كما فعل الملاك حينما خاطب يوسف البار.
صلاة
نَشكُرُكَ أيّها الآب السماوي، يا من أرسلت ملاكك لتعدّ يوسف لتقبّل واستقبال يسوع كابنٍ له بالتبنّي.
نَشكُرُكَ أيّها الابن المسيح، يا من قبلت أن تتجسّد في عائلة بشريّة من أجل خلاصنا وتتحمّل ضعف بشريّتنا ووهن طبيعتنا.
نَشكُرُكَ أيها الرّوح القدس، يا من تعدّ قلوبنا لاستقبال نور الكلمة المتجسّد في حياتنا ونفوسنا.
هب لنا، أيها الثالوث الأقدس، أن نعمل وفق مشيئتك المتجليّة في الكلمة التي منحتنا إياها في الإنجيل فنصبح على مثال الملاك رسل البشارة السارّة، بشرى الخلاص الشامل للبشريّة كلّها، فيتمجّد بنا وبكلّ شيء اسمك المبارك في كلّ آنٍ وأوانٍ وإلى دهر الداهرين، آمين.
الرسالة
1 لِذلِكَ أَنَا بُولُس، أَسِيرَ الـمَسيحِ يَسُوعَ مِنْ أَجْلِكُم، أَيُّهَا الأُمَم…
2 إِنْ كُنْتُم قَدْ سَمِعْتُم بِتَدْبِيرِ نِعْمَةِ اللهِ الَّتي وُهِبَتْ لي مِنْ أَجْلِكُم،
3 وهوَ أَنِّي بِوَحْيٍ أُطْلِعْتُ على السِرّ، كَمَا كَتَبْتُ إِلَيكُم بإِيْجَازٍ مِنْ قَبْل،
4 حِينَئِذٍ يُمْكِنُكُم، إِذَا قَرَأْتُمْ ذلِكَ، أَنْ تُدْرِكُوا فَهْمِي لِسِرِّ الـمَسِيح،
5 هـذَا السِّرِّ الَّذي لَمْ يُعْرَفْ عِنْدَ بَنِي البَشَرِ في الأَجْيَالِ الغَابِرَة، كَمَا أُعْلِنَ الآنَ بِالرُّوحِ لِرُسُلِهِ القِدِّيسِينَ والأَنْبِيَاء،
6 وهُوَ أَنَّ الأُمَمَ هُم، في الـمَسِيحِ يَسُوع، شُرَكَاءُ لَنَا في الـمِيرَاثِ والـجَسَدِ والوَعْد، بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيل،
7 ألَّذي صِرْتُ خَادِمًا لَهُ، بِحَسَبِ هِبَةِ نِعْمَةِ اللهِ الَّتي وُهِبَتْ لي بِفِعْلِ قُدْرَتِهِ؛
8 لي أَنَا، أَصْغَرِ القِدِّيسِينَ جَمِيعًا، وُهِبَتْ هـذِهِ النِّعْمَة، وهِيَ أَنْ أُبَشِّرَ الأُمَمَ بِغِنَى الـمَسِيحِ الَّذي لا يُسْتَقْصى،
9 وأَنْ أُوضِحَ لِلجَمِيعِ مَا هُوَ تَدْبِيرُ السِّرِّ الـمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ في اللهِ الَّذي خَلَقَ كُلَّ شَيء،
10 لِكَي تُعْرَفَ الآنَ مِن خِلالِ الكَنِيسَة، لَدَى الرِّئَاسَاتِ والسَّلاطِينِ في السَّمَاوات، حِكْمَةُ اللهِ الـمُتَنَوِّعَة،
11 بِحَسَبِ قَصْدِهِ الأَزَلِيِّ الَّذي حَقَّقَهُ في الـمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا،
12 الَّذي لَنَا فيهِ، أَيْ بِالإِيْمَانِ بِهِ، الوُصُولُ بِجُرْأَةٍ وثِقَةٍ إِلى الله.
13 لِذ,لِكَ أَسْأَلُكُم أَنْ لا تَضْعُفَ عَزِيْمَتُكُم بِسَبَبِ الضِّيقَاتِ الَّتي أُعَانِيهَا مِنْ أَجْلِكُم: إِنَّهَا مَجْدٌ لَكُم!
(أف3/1-13)
تأمّل من وحي الرسالة
في رسالة اليوم، أحد البيان ليوسف، يحدّثنا مار بولس عن “السرّ”، “سرّ المسيح”، مؤكّداً لنا أنّ “هـذَا السِّرِّ… هُوَ أَنَّ الأُمَمَ هُم، في الـمَسِيحِ يَسُوع، شُرَكَاءُ لَنَا في الـمِيرَاثِ والـجَسَدِ والوَعْد، بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيل…”.
كم كان مار بولس شجاعاً ليعلن، وسط مجتمعٍ يهوديّ منغلق، كلاماً بهذه الخطورة إذ يعتبر، وبكلّ جرأة، أنّ الأمم (أي غير اليهود) هم “شركاء” بميراث اليهود أي بوعد الخلاص وبثماره الروحيّة والزمنيّة.
لقد عانى مار بولس الأمرين في سبيل إقناع أترابه السابقين (اليهود والفرّيسيين) واللاحقين (الجماعة المسيحيّة الأولى) بشموليّة الخلاص لمن ليسوا أو لم يكونوا يهوداً، كما نستنتج من عدّة نصوص في العهد الجديد ولعلّ أبرزها الفصل الخامس عشر من أعمال الرسل.
مار بولس نفسه يدعونا اليوم إلى تقبّل فكرة شموليّة الخل
اص لأنّ الخلاص هو نعمة مجانيّة من الله لكلّ ذي جسد بشريّ بكون الله “أرسل ابنه الوحيد نوراً للأمم” كما نقول في افراميات عيد الميلاد في طقسنا المارونيّ. والنور، كما نعلم، لا يميّز بين من يشرق عليهم، بل يغدق فيضه على الجميع بمحبّة ومجانيّة ودفق عطاء.
وهذا يدعونا إلى تفكيرٍ عميق في نمط تفكيرنا وطريقة حياتنا.
صحيحٌ أننا نعيش في عصر انفتاح الناس والشعوب والدول على بعضها. وصحيحٌ أيضاً أننا نعيش في عصر ثورة في مجال تقنيات الاتصال لحتّى قيل إنّ العالم أضحى قريةً صغيرة. ولكن، من جهة أخرى، تطوّر إمكانيات الاتّصال لم يترافق مع تطوّر عوامل التواصل بين الناس!
لاحظوا إخوتي كم نعاني من آفتي الانغلاق والعصبيّة، ليس فقط على المستوى المذهبيّ أو الدينيّ، بل على كافّة المستويات:
· أنظروا إلى البيوت المفكّكة والعائلات المنقسمة؟!
· أنظروا إلى الخلافات والتحدّيات داخل القرى والبلدات ؟!
· أنظروا إلى المؤسسات أو الأحزاب وصراعاتها الداخليّة أو مع بعضها البعض؟!
· وحتى أنظروا إلى معاناة الكنائس من الانشطار والتفكّك؟!
ويمكن أن نعدّد إلى ما لا نهاية ولكن لن يقودنا ذلك إلا إلى السوداوية البعيدة عن الرجاء المسيحي والتي لا تنفع لدرء الخطر ولإبعاد الشرّ!
أمّا إذا انتقلنا من مرحلة النظر إلى مرحلة التحليل، فسوف نجد أن القاسم المشترك بين كلّ ما عدّدناه هو سيادة روح الأنانيّة والرغبة في اختزال الآراء والخيرات ورفض مشاركة الآخر في ما لدينا من مكسبات روحيّة أو ماديّة… نعم فكيف للأنانيّ أن يقبل بأنّ:
· المسيح ولد من أجل من لا أحبّ لا من أجلي أنا فقط!
· المسيح تألّم من أجل من أكره لا من أجلي أنا فقط!
· المسيح صلب من أجل من أختلف معه لا من أجلي أنا فقط!
· المسيح مات من أجل من يختلف عنّي بالدين أو بالجنسيّة أو بالسياسة أو بالعائلة… لا من أجلي أنا فقط!
لذا، تأتي رسالة اليوم لتهزّ كلّ واحدٍ منّا، في عمق كيانه، ولتحفزه ليغيّر منطقه ويتقبل منطق الله، على مثال يوسف البار، أي ليجد الحلّ لأنانيّته عبر:
· تقبّل الآخر الّذي كثيراً ما يسبّب العذاب له إنطلاقاً من كلام الإنجيل: “…إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذينَ يُحِبُّونَكُم، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُم؟ أَلَيْسَ العَشَّارُونَ أَنْفُسُهُم يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟…وإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلى إِخْوَتِكُم وَحْدَهُم، فَأَيَّ فَضْلٍ عَمِلْتُم؟” (متى 5/46-47)
· والقناعة بأن لا أحد بمقدوره أن ينال الخلاص إن لم يحمل في وجدانه وقلبه همّ الآخرين لأنّ الربّ دعانا لنكون “ملح الأرض …ونور العالم” (متى5/13-14).
· وللمضيّ في طريق يسوع، “الطريق الضيّق”، حيث أسرع وسيلة للوصول إلى الهدف هو الصفح حتى “… سَبْعِيْنَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّات” في اليوم (متى 18/22) والمحبّة الشاملة حتى ألدّ أعدائنا عملاً بطلب يسوع المسيح: ” أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُم، وصَلُّوا مِنْ أَجْلِ مُضْطَهِدِيكُم” (متى 5/44)!