روما، الخميس 15 أبريل 2010 (Zenit.org) – قام المسيح، حقاً قام، ولم يعد يُحصى بين الاموات. قام وهو لا يتشكك ممن لا يؤمن بهذه القيامة، بل يحثه على الإيمان، كما فعل مع تلاميذه. قام المسيح، وفي هذا الزمن الفصحي، يُظهر لنا علامات قيامته وبالتّالي علامات قيامتنا، علامات رجائنا.
أولى تلك العلامات، كانت عند وصول النّسوة الى القبر حيث وجدنَ القبر فارغاً. نعم “القبر الفارغ” هو اوّل علامة تدلّ على القيامة. اذ لا مصلحة للرّومان او اليهود في سرقة الجثمان، بل على العكس، كان هدفهم ان يبقى في القبر، ان تنتهي تلك القصة الى الأبد. مات من كان يعتقد نفسه ابن الله ومحرّر الشّعب من العبودية. مات وهدأت النّفوس. مات ودفن وجُعل حراس على قبره لكي لا يسرقه تلاميذه (مت 27: 56). مات المسيح ودفن، والآن يُحرس داخل القبر إلى الأبد. لكن النّسوة وجدنَ “القبر فارغاً”.
القبر! القبر هو المكان الذي يدفن فيه الجثمان. هو المكان الذي يُخفى فيه الميت ويُحجب عن الرؤية، لكي يتمكّن الحي من الاستمرار في الحياة دون ان يجده دائماً امام عينه. يقول ابراهيم بعد موت سارة: “أَعطوني مِلك قبر لديكم فأدفن مَيتي وأزيله من امام وجهي” (تك 23: 4). لا احتقاراً له، ابداً، بل لكي يستمرّ في الحياة، لأنّه لا يستطيع ان يحيا مع الجثمان في نفس المكان؛ فالجثمان له رائحة كريهة، لكنّها تجذب الغربان التي تأتي لكي تلتهمه. يجب حماية الجثمان وتكريمه، وفصله عن الأحياء ليتمكنوا من الاستمرار في الحياة. الجثمان يذكّر الحيّ بعزيزه المفقود، فيعتريه الحزن عندما يراه على هذه الحالة، لذا يجب ان يُحجب. هذا هو القبر، المكان الذي يُخفى فيه ما لا يريد الإنسان ان يراه من بعد لكي يستطيع ان يحيا.
القبر هو ايضاً الرّجاء الأخير لمن فقد كلّ رجاء. هو المأوى الوحيد لمن لا أمل له، يصبح رغبة لمن لا رغبة لديه. يقول ايوب:” ذوي النفوس المُرَّة المشتاقين للموت،…يفرحون اذا وجدوا قبراً” (ايوب 3: 22- 23). لأنّ الإنسان يدفن فيه نفسه ولا يبقى مجبراً على الصّراع اليومي مع الحياة من بعد . فالقبر هو مكان لمن لم تعد لديه اية قوة . لمن فقد العزم والحياة. المكان المحمي الذي يوضع فيه الإنسان، او يضَع نفسه فيه حتّى لا يواجه احداً، ولا يتواجه مع احد من بعد.
الموجود في القبر لا يستطيع حتّى ان يبارك اويسبّح الرّبّ (مز 115: 17). لا يستطيع ان يرى وجه الله. لا يستطيع ان يتمتع برحمته ويستنشق حبه.
هذا هو القبر او احدى جوانبه. و”القبر الفارغ” علامة على ان المسيح قد قام. قام من فُصلَ عن النّاس ودُفن لئلا يراه احد من بعد. قام هذا المفصول عن الشّعب، المرذول من خاصته، المحجوب عن الرؤية لأنّ لا جمال له ولا بهاء. قام واُعطيَ له كل سلطان في السّماوات وعلى الأرض. قام وأُعلن سيداً وربًّا. قام من هو بلا قوى حتّى الموت، واعطي له كلّ سلطان حتّى على الموت. قام من قد اعتُبرَ مجدفاً على الله وفاعل إثم، لذا فُصل حتّى لا ينجّس الآخرين، قام لكي يُسّبح ويبارك الرّبّ الذي اقامه ولم يدع جسده يرى الفساد.
قام، والقبر الفارغ علامة على قيامته، وعربوناً لقيامتنا من قبورنا في نهاية الأزمنة. “القبر الفارغ” هو ايضاً ضمان لقيامتنا من قبورنا الآن. والتي دَفنَّا فيها احداثاً كثيرةً من حياتنا تُزعجُنا. دَفنّا فيها سنين عديدة من اعمارنا تؤلمنا. ولم نعد نريد ان نراها. دفنَّاها كما يدفن الحي ميته لكي لا يراه من بعد ولكي لا يراه اي حي من بعد. دفنا احداثاً او وقائعَ. الماً نريد ان نتحلص منه، دفناه لكي لا نراه ونحجبه عن كلّ رؤية. دفناه بعيداً عن عيوننا، خارج حقل حياتنا اليومية لنتناساه. لكنّ خيال هذا القبر موجود دائماً في حقولنا، ولو ابعدناه لأقصى الحدود، فنحن نمتلكه دائماً.
“القبر الفارغ” دعوة لنا كما النّسوة. هن ايضاً كن مرتعبات، من سيدحرج الحجر لهن؟ كيف سيكون الموقف، ماذا سيقلن للحراس؟ لكنّهن ذهبن. فلنذهب الى حيث دفنا الكثير من احداث حياتنا. الى هذا القبر السّاكن فينا. لا داعي لأن نخاف منه. فلنقترب منه، لان ما دفنّاه هناك لم يعد له سلطان علينا. قبرنا فارغ. نعم “القبر فارغ” لم يعد هناك جثمان، بل ملاك مرسل من الله لكي يسلّم رسالة جديدة، حياة جديدة. فلنذهب، ولنتقابل مع هذا الصّليب او هذا الحدث الذي هربنا منه دائماً: الم، مرض، اعاقة…….هناك سنجد ان “القبر فارغ” حتّى وان كان موجوداً، لكنّه فارغ. أي ما كان يحطمنا، لم يعد يحطمنا من بعد ولو استمر في الوجود. ما لم نكن قادرين على تحمله او التّعايش معه لم يعد كذلك، لأنّ “القبر فارغ”. ما كان يجبرنا على ان ندفن انفسنا ونلعن حياتنا ونتمنى الموت في اوقات كثيرة، لم يعد له سلطان علينا. قام المسيح ونزع سلطان الموت، والآن، “القبر فارغ” الى الأبد. هذا “القبر الفارغ” سيكون مكاناً لتسبيح الرّبّ ورؤية وجهه الحقيقي. سيكون مكاناً لمعرفة من هو. فهو القادر على ان يقيمنا من موتنا ويُفرغ قبورنا.
قيامة المسيح علامة على قيامتنا، وهي قيامة حقيقية وليست فقط للوعظ او التأمل، بل لنختبرها في حياتنا.
نعم “القبر فارغ”، ولكنّه ليس العلامة الوحيدة، هناك علامات اخرى تدلّ على قيامة المسيح، وعلى شركتنا في تلك القيامة. علامات اخرى تُعْلِمنا عن هذه القيامة…للمرّة القادمة.
زمن فصح مبارك.