بقلم روبير شعيب
نيقوسيا، السبت 5 يونيو 2010 (Zenit.org). – “تنبه إلى ما تقوم به، اقتد بما تحتفل به، طابق حياتك مع سر صليب المسيح الرب”، أراد البابا أن يردد هذه الكلمات التي يتلوها الأسقف على الكاهن خلال السيامة الكهنوتية على الكهنة الذين التقى بهم اليوم في القداس الإلهي الذي جمعه بالكهنة والمكرسين والمسؤولين عن خدمة التعليم المسيحي في كنيسة الصليب المقدس في نيقوسيا.
وأشار الباب في مطلع عظته إلى أن محور احتفال اليوم هو صليب المسيح. وباشر فورًا إلى طرح هذا التساؤل: “لماذا نحتفل كمسيحيين بأداة تعذيب، علامة ألم، هزيمة وفشل؟ واعترف الباب في جوابه بأن الصليب يعبر حقًا عن كل هذه المعاني.
“ولكن – أضاف شارحًا – بفضل ذلك الذي رُفع على الصليب لأجل خلاصنا، بات الصليب يعبر عن نصر الحب النهائي على كل شرور العالم”.
وقال البابا للحضور: “الإنسان لا يستطيع أن يُخلص نفسه من نتائج خطيئته. لا يستطيع أن يخلص ذاته من الموت”، بينما “وحده الله يستطيع أن يخلصه من العبودية الأخلاقية والمادية”. والصليب، علامة الحب الذي يغلب الموت يساعد الإنسان على التحرر، بواسطة الحب، من عبودياته وأنانياته.
“وبما أن الله أحب العالم حتى أنه أرسل ابنه الوحيد، لا ليدين العالم – كما هو عدل – بل لكي يستطيع العالم أن يخلص بواسطته. كان يجب على ابن الله أن يُرفع كما موسى رفع الحية في الصحراء، لكي يستطيع من ينظر إليه بإيمان أن ينال الحياة”.
وعليه، استنتج الأب الأقدس أن “الصليب هو واقع أعظم وأكثر غموضًا مما قد يبدو للوهلة الأولى”.
وأضاف: “لا شك أنه أداة تعذيب، ألم وهزيمة، ولكن في الوقت عينه هو يعبر عن تحول كامل، عن النصر على هذه الشرور، وهذا ما يجعله الأداة الأكثر بلاغة عن الرجاء في كل تاريخ العالم”.
وتابع: “يتحدث إلى جميع المتألمين – المظلومين، المرضى، الفقراء، المهمشين، ضحايا العنف – ويقدم لهم الرجاء بأن الله وحده يستطيع أن يحول ألمهم إلى فرح، ووحشتهم إلى شراكة، وموتهم إلى حياة. يقدم رجاءً دون حدود لعالمنا الساقط”.
ثم أردف قائلاً: “ولهذا فالعالم بحاجة إلى الصليب. فالصليب ليس مجرد رمز تقوى فردية، وليس علامة مميزة للانتماء إلى جماعة ما في المجتمع، ومعناه العميق لا يرتبط البتة بفرض بالقوة لإيمان أو لفلسفة ما”.
“الصليب يتحدث عن الرجاء، يتحدث عن الحب، يتحدث عن انتصار اللاعنف على الظلم، يتحدث عن الله الذي يرفع المتواضعين، يهب القوة للضعفاء، يتغلب على الانقسامات، وينتصر على البغض بالحب”.
ثم شدد على أن “عالمًا بلا صليب عن عالم بلا رجاء، عالم يبقى فيه التعذيب والوحشية بلا رادع، عالم يُستغل فيه الضعيف ويكون للجشع الكلمة الأخيرة. وتظهر لا إنسانية الإنسان نحو الإنسان الآخر بأشكال أكثر شناعة، ولن يكون هناك كلمة حسم لدائرة العنف الشيطانية”.
ثم وجه كلمة خاصة إلى الكهنة فقال: “في هذه السنة الكهنوتية، اسمحوا لي أن أوجه كلمة خاصة إلى الكهنة الحاضرين اليوم، وإلى الذين يستعدون للسيامة. فكروا بالكلمات التي تتلى على الكاهن الجديد من قبل الأسقف، بينما يقدم له الكأس والصينية: “تنبه إلى ما تقوم به، اقتد بما تحتفل به، طابق حياتك مع سر صليب المسيح الرب””.
وصرح بأنه يذكر كهنة ومكرسي الشرق الأوسط بصلواته بشكل خاص لأنهم “يختبرون حالة دعوة خاصة لمطابقة حياتهم على سر صليب الرب”.
وشرح قائلاً: “حيث يشكل المسيحيون أقلية، حيث يتألمون بسبب النقص والتوترات العرقية والدينية، تقرر الكثير من العائلات أن تهجر، وحتى الرعاة يشعرون بتجربة خيار الرحيل”.
في حالات مثل هذه، “يشكل كاهن، أو جماعة دينية، أو رعية وطيدة وثابتة في الشهادة للمسيح علامة فائقة للرجاء، ليس فقط للمسيحيين، بل لجميع الذين يعيشون في المنطقة”.
وأوضح بالقول: “إن حضورهم بحد ذاته هو تعبير بليغ عن إنجيل السلام، عن خيار الراعي الصالح بأن يعتني بخرافه، عن التزام الكنيسة الذي لا يضنك بالحوار، المصالحة وقبول الآخر بمحبة”.