بقلم روبير شعيب

روما، الأربعاء 23 يونيو 2010 (Zenit.org). – يمكننا أن نتوصل إلى خلاصة هامة ومثيرة حول أبعاد الإيمان في حقل المعرفة، الثقة والإرادة (العمل) إذا ما أقمنا مقاربة بين ما يُعرف باسم "نشيد المحبة" في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس وتعبير للقديس أغسطينوس أضحى مشهورًا مع بيتروس لومباردوس، معلم العصر الوسيط. يقول في اللاتينية: credere illi (Deo) est credere vera esse quae loquitur; credere illum (Deum), credere quia ipse est Deus; credere in illum (in Deum), dirigere illum". تصعب ترجمة النص إلى العربية نظرًا إلى اللعب الدقيق على الكلمات وحروف الجر اللاتينية، ولكن معناه الإجمالي والتفسيري هو التالي: "الإيمان بالله كإيمان ثقة هو أن نؤمن بحقيقة ما يقوله لنا؛ الإيمان به كإيمان إيقان هو أن نؤمن بأنه الله؛ الإيمان فيه هو أن نوجه خطى مسيرتنا الروحية إليه وفيه".

تقدم لنا هذه العبارة الغنية إمكانية أن نعتبر موضوع إيماننا من ثلاثة أبعاد مختلفة: ثقة بالله، إيمان بوجود الله، وإيمان يغوص في الله بالمحبة. انطلاقًا من هذا التمييز الثلاثي يمكننا أن نقرأ الفضائل الإلهية الثلاث التي يتضمنها نص رسالة الكورنثيين (ا كور 13، 13) فالإيمان يتضمن في وجوهه المختلفة الإيمان، الرجاء والمحبة.

- Credere Deum : الإيمان بالله يعتبر الله كمادة فعل الإيمان (نستعمل كلمة "مادة" انطلاقًا من المفهوم الفلسفي الأرسطوي  - materialis - ، لا كعنصر عضوي مادي). يعبر وجه الإيمان هذا عن محتوى فعل الإيمان، عن البعد المعارفي للإيمان، عما يسميه اللاهوتيون (fides quae creditur). إنه الإيمان الذي يُقرّ بحقيقة الله وبوحيه. الإيمان الذي يعترف بحقيقة الله من خلال إقرار عقلي، وهو واقع يقر به حتى الشياطين، كما يصرح القديس يعقوب في رسالته (راجع يع 2، 19: هل تؤمن بأن هناك إله واحد؟ حسنًا تفعل، فحتى الشياطين تؤمن وترتعد!)

- Credere Deo : يعني الإيمان بالله إيمان ثقة، ويعبر عن البعد الصوري (formalis) لفعل الإيمان، الذي يتجسد في الإقرار، في بعد الثقة، في الدافع الباطني للإيمان، وهو ما يسميه اللاهوتيون (fides qua creditur). إنه الرجاء الذي أضعه في الله الذي آمنت به: "أنا أعرف بمن آمنت وأنا على يقين بأنه يستطيع أن يحفظ وديعتي حتى ذلك اليوم" (2 تيم 1، 12). يدخل الإنسان في هذا البعد من أبعاد الإيمان في علاقة شخصية مع الله تتجاوز بعد المعرفة. يضع الإنسان رجاءه وثقته في الله ويثق بمخلصه لأنه يعرف بمن وضع ثقته. رغم أنه يستدعي الإيمان بوجود الله، يحمل إيمان الثقة الإنسان إلى بعد أعمق. فالله لا يبقى مجرد موجود بين الموجودات بل يضحي ركيزة الوجود ومعناه. فالوجه الأول يقول: "الله موجود"، الوجه الثاني يقول: "الله أمين". هذا الإيمان يعني الثقة بأن الله هو الشاهد والضامن لصدق كلمته. في بعد الإيمان هذا نرى وجهًا فريدًا من وجوه المعرفة: المعرفة العاطفية لله (cognitio affectiva).

- Credere in Deum : هذا التعبير ينبع بشكل خاص من كلمة "الإيمان في" (pisteuein eis) اليوحنوية، والتي رأينا كيف تعبر عن العلاقة الدينامية التي تؤمن "نحو" الله و فيه. هي المحبة في حركتها نحو الاتحاد بالله، نحو الاشتراك في ملء حبه. ندخل هنا في جو اللاهوت الصوفي، الأخيري والسلبي (apophatic). الإيمان في الله يرتبط بغايتنا ورغبتنا، باكتمال وعد الله الذي وضعنا فيه ثقتنا وإيماننا: "أنا فيكم وأنتم فيّ". تدخل الإرادة هنا كتوق يُخرج الإنسان من ذاته بحثًا عن جمال الله.

يعتبر القديس أغسطينوس أن الإيمان في الله (credere in Deum) هو أسمى من الإيمان بالله (credere in Deum plus est quam credere Deo)، لأن من يؤمن في المسيح يرجو المسيح ويحب المسيح" (Sermo 144,2)، ويشدد على أن الإيمان في الله هو "إيمان في المحبة، إيمان يغوص في الله ويجعل الإنسان عضوًا في جسد المسيح" (In Ioannes Evangelium 29,6). هذا هو لاهوت الاتحاد، الإقامة في الله، لاهوت العرس الصوفي.

ولكن القديس توما الأكويني يذكر بأن الإيمان في الله هو فعل ينبع من الإرادة المنفتحة على الإيمان، هي "الجهوزية العاطفية للإيمان" (pius affectus credendi) التي تنتمي إلى طبيعة الإيمان الخاصة. وعليه، هناك نوع من الشغف (eros) يهيئ الإنسان ويدفعه نحو التتيم بالله ويقود خطاه في "المسيرة نحو الله". إذا نقصت هذه الجهوزية، يعيش الإيمان نوعًا من "سوء-معرفة" تشكل بحسب تحليلنا وجه الإلحاد الذي لا يستطيع أن يؤمن.

(يتبع)