للأب هاني باخوم
روما، الجمعة 11 يونيو 2010. – (Zenit.org)– الحِصنُ هو المكان المحمي الذي يحتمي فيه الملك عندما يُهاجمه الأعداء. هو ذلك المكان، الذي عندما يقترب الخطر الذي لا يصد بالمواجهة، يهرب إليه الملك وجنوده كي لا يذوقوا طعم الموت. انه المكان الذي يختبىء فيه عندما لا يستطيع ان ينزل الى أرض الصراع كي يُهاجم او يُدافع عن نفسه، راجياً ان يعبر الخطر، ومنه يدافع عن نفسه، عن شعبه، وعن مدينته؛ فإن سقط الحِصن سقطت المدينة، وإن صمدَ وقاوم ودافع عمن يحتمي به خلصت كل المدينة.
نعم! هذا هو الحِصن للشعوب. هذا هو حِصن الملوك؛ الحصن الذي يبنيه الإنسان كي يحمي نفسه وقت الخطر، عندما يغدُر به الآخرين ويتخطوا حدودهم. يبنيه الإنسان وقت الرخاء كي يحمي نفسه وقت الصعوبة، يبنيه الإنسان ويأتمنه على كل ما يملك كي يحميه هو وكل ما يملك. هذا هو حِصن الإنسان لكن حِصن داود، فما هو؟
يقول داود: “الرب هو صخرتي وحِصني ومُنقِذي. به أعتصم فهو تُرسي وقوةُ خلاصي وملجأي” (2صم 22: 2- 3). هذا هو حِصن داود النبي: الرب؛ لانه هو الذي خلصه من أعدائه، من الشر الذي كان يلحق به. لكن ما هو هذا الشر؟ ولماذا كان يلحق بداود؟
هذا الشر هو نفسه الذي أعلنه له النبي ناتان بسبب خطيئته. نعم! خطيئة داود. فيقول له ناتان: “لماذا أزدَرَيَت الربَّ فارتكبت الشر في عينيه؟ قتلت أوريا الحِثي وأخذت آمراته لك فالآن لا يفارق السيف بيتك للأبد…. هاءَنذا مُثيرُ عليك الشر من بيتك” (2 صم 12: 11). الشر الذي كان يلحق داود هو تابعة خطيئته، هو نتيجة ما صنعه، هو هذا الموت الذي زرعه والآن عليه ان يحصده.
لكن داود يعترف بخطيئته ويقول: “قد خطئت الى الربّ” (2 صم 12: 13). داود النبي يعترف بخطيئته ولا يُبرر نفسه، يقبل ما يقوله له النبي ولا يدافع عن نفسه: لا يقول اني ضعفت، اني لم اكن اقصد، لم يَقُل ان الظروف هي التي جعلتني، او لان، او لان…….بل يقول “قد خطئت الى الربّ”. فيرد ناتان: “الرب أيضا قد نقل خطيئتك عنك فلا تموت، …لكن الابن الذي سيولد لك سيموت” (2 صم 12: 14). نعم سيموت الصبي، وهنا السؤال ما ذنب الصبي كي يدفع ثمن خطيئة أبيه؟ لماذا يموت الصبي البريء ويحيا الأب المذنب؟
لكن هذا السؤال ينبع من الاعتقاد أن الموت هلاك ونهاية أبدية. من يطرح هذا السؤال في العمق يشعر ان الحياة هي الهدف، هي السعادة، لا يعلم ان الموت هو ربح، هو الذهاب لاحضان الاب، للنعيم الابدي. وكأن موت الصبي لعنة له. لا! موت الصبي هو الربح العظيم له. ولكنه لداود علامة على جدية خطيئته وعاقبتها. عثرة الموت التي لا يمحيها الا الايمان بالحياة الابدية: لماذا مات الصبي؟ لانه هناك حياة ابدية. لماذا مات الصبي؟ لانه هناك قيامة. لماذا مات الصبي؟ لانه هناك حياة تبدأ بما نسميه نحن الموت، الصبي لم يمُت بل وُلد للحياة الحقيقية. طوبى لك ايها الصبي الذي لم تعرف الا قليلا من ايام هذه الدنيا وبالرغم من ذلك اتممت رسالتك فرأك الله جديرا بالحياة.
لكن الرب لا يزيل عاقبة الخطيئة، يسمح للشر الذي زرعه داود ان يهاجمه، ان ينقلب عليه. لا يزيله، لكنه يجعل من نفسه حصنا لداود ليحتمي به من شره. الرب لا يمحي اثار خطيئة داود بل يأخذها على نفسه. يبقى الشر لكنه لا يمس داود لان الرب هو الحصن. يبقى اعداء داود، ويبقى الرب حصن له من اعدائه.
هذا ما يختبره داود النبي ان شره لم يفصله للابد عن الرب: لان هذا هو الموت الحقيقي، ان ينفصل الانسان عن الله. وإن كانت امواج الموت قد غمرته وروعته السيول لكن الرب كان حصنا له، ان عاقبة خطيئته لم تهلكه بل اصبحت الفرصة كي يتعرف على اله الرحمة، على الحصن. لذا داود يرنم ويقول: الرب هو صخرتي وحِصني ومُنقِذي.
حِصن داود هو الرب. داود يختبر ان ما صنعه من شر هو بالفعل كبير، ولا احد ولا شيء يستطيع ان يحميه منه الا الله وحده. فيأخذ داود الرب حِصنا له، لا يسعى ان يخلص نفسه بنفسه، لا يسعى ان يعالج الامور بنفسه. يترك نفسه ليد القدير، ليد الرحمة التي تنزع شر الاثم وخبث الخطيئة. داود يتعلم ان يصرخ للرب في وقت الضيق ، ان يحتمي تحت اجنحته.
حصن داود هو كلمة لكل منا، لكل من يرى ان افعاله وخطاياه انتجت من الشر الكثير ولا يعرف ماذا يفعل. لكل من يرى ان شر الاخرين يوشك ان يغرقه؛ اي ان يفقده الايمان، لان هذا هو الغرق الحقيقي. خبرة داود هي دعوة لنا؛ لنحتمي في الرب، ولنأخذه كملجأ وحِصن لنا.
ايام مباركة.