عظة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بكركي، الاثنين 14 يونيو 2010   (Zenit.org). – ننشر في ما يلي العظة التي تلاها البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير أثناء القداس الاحتفالي الذي ترأسه في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي نهار الأحد 13 يونيو 2010.

* * *

الابن الشاطر

أجل، هكذا، يجب أن يعرفوا أن المحبة  هي غير عادلة. وان ما يدعوه العالم عدالة قد خرج عناطاره، وغمره هذا الهوى الذي هو من الله الذي لا يصدّه أي من هوانا الحزين . وفي أحد الأيام روى لهم مثل الابن الشاطر…لا ، انها قصة صحيحة، قصة كل رجوع الى الله، بعد هذا الطيش الذي هو شباب أناس كثيرين . ان الابن أجبر أباه فاعطاه نصيبه من الميراث، وانغمس في الخلاعة ، ولكنه لم يستغل بفطنة هواه؛ وامتنع عن القيام بهذا الحساب، وعن هذه الحيلة التي تؤكّد له عدم القصاص لجمهرة من المجرمين سواه. وان الجنون  قاد راعي الخنازير الى الفقر المدقع، حيث قادته محبة الله. وقاسمته الخنازير قوته.اذذاك فكّر ببيت أبيه. .. وأي عجب في أن نفكّر في أن يسوع هو بقربنا بحيث انه شعر بانطباعات ولد غني يغنجّه الرفاه الرخيّ الخفي الخاص بالبيوت الكبيرة المليئة بالأهراء والخادمات. وكان يعرف رائحة شحم المطابخ عندنا، وجاذبية اللحم المشوي على نار قضبان الكرمة، والاحترام الرفيق للخدم الشيوخ  الذين ولدوا في البيت.

وهذا ما أعاد أولا الولد الشاطر كجميع الأولاد الشاطرين. ولم يكن ذلك بعد المحبة. وعلى الرغم من ذلك ، فقد استقبل بفرحة عارمة وذبح له العجل المسمّن ، وألبس خاتما، وثوبا… ولكن الابن البكر الذي كان دائما وفيا لم يلق سوى التوبيخ بسبب حسده. وهذا ظلم الرأفة! والذين جازفوا، ولعبوا، وخسروا استسلموا الى الأب لأنه لم يبق لهم شيء، يتفوّقون أحيانا على الاتقياء العاديين، الذين حساباتهم مضبوطة وهم لا يقبلون بأن يطالهم أي توبيخ يتعلّق بحلقة واحدة من هذا الكمال الذي ينسجونه يوما بعد يوم. وما كان الابن الأكبر يعرف ما يشعر به الوالد  والله من غبطة  لدى تنهيدة الولد الشقي الذي وجد أخيرا:” يا أبي، خطئت الى السماء واليك: لست أهلا لأن أدعى لك ابنا…” والرب يفضّل على كل شيء، قلبا يبلغ، بعد أن يكون قطع كل الطرقات، وبلغ آخر حدود الشقاء، يعود مع معرفته ما هو فيه من عدم، – وقد أنهكه كليا الفقر، ويستسلم لرأفة الحركة التي هي ذاتها، بحسب عدالة الناس ، بعد أن يكون قد أملق كليا، واستسلم بحسب عدالة الناس، وترك نفسه بين أيدي الجلاّد.

                                        مامون

        ولكن هذه الملذات التي وجدها هي روحية.وهذه الوفرة في البيت الوالدي ، وهذا الرفاه لا يتعلّق الا بالنفس. وللرب عدوّ هو ممون.: أو الفضة أو هو، يجب الاختيار. والفكرة التي يكوّنها الكتبة عن الغنى ، أي علامة بركة، وجزاء الفضيلة، تثير قرفه.والغني البغيض الذي يرتدي الفاخر من الثياب ويهمل أن يطعم لعازر الشحّاذ من فضلاته، والجالس على بابه، يذهب الى جهنم؛ الذي شرب وألف المسكر طوال حياته سيتعذّب لما سيصاب به من عطش أبدي. وما همّه توزيع الغنى؟ أغنيا كان أم فيرا، ان أصدقاءه يجب أن يحتقروا ممون، أي الغنى. وهو سيعرفهم من هذه العلامة. والفقراء الذين لا يعيشون الاّ لأسفهم ورغبتهم في المال، انهم من أنصار ممّون مثل الأغنياء. ويبغض يسوع في المال سلاحا يستعلمه العدو لكي يسلبه أحبّاءه . لأن هذا هو ضعف المسيح أمام الشيطان: وهو لا يملك الا على القلوب الفقيرة. وأما قلوب البخلاء فأنها تفلت منه. وممّن يجعل من المسيح هذا التائه الأبدي الذي يجد حيثما ذهب المكان مأخوذا.

        وكان يهوذا يبغض لدى يسوع هذا البغض للفضة، وهو الذي يبحث عما يعيضه من الفضة العامة.. وأمّا الباقون فكانوا يفكّرون في نفوسهم:” لقد تركنا كل شيء لنتبعه…” ولكن ابن الانسان لم يكن يريد هذا الرضى السرّي. :فالعبد لا يتكبّر لأنه مجبر، لدى العودة من العمل، على خدمة سيّده. وليعتبروا اذن ، حتى بعد اعطاء ذاتهم تماما، أنهم عبيد بطّالون.

                                البرص العشرة

 كان ابن الانسان، في روحاته وجيئاته حول المدينة، بانتظار ساعته، يعود دونما كلل على التعاليم عينها. فكان يزرع، وسيزرع حتى اليوم الأخير، ولكن ما من شيء ينبت:

هوذا عشرة برص ، على مدخل المدينة،على حدود السامرة ، يتوسّلون اليه بندائهم اياه:” أيها المعلّم يسوع”، كما لو كان معلّما في اسرائيل! وعلى الرغم من أنهم جميعهم قد شفوا لذهابهم الى الكهنة ليروهم نفوسهم، غير أن واحدا من بينهم عاد وركع عند أقدام يسوع ، وهو السامري الوحيد في المجموعة. ان ابن الانسان يعرف الآن الناس. لا شك في أنه كان يعرفهم منذ الأزل، ولكنه اكتسب عنهم معرفة جسدية.، يومية، مرهقة. وما من شيء بامكانه أن يغيظه ، ولا حتى بثير اعجابه. وما من مفاجأة عندما يتنهّد:” الم يشف العشرة ؟ اين التسعة الباقون؟  وحده هذا الأجنبي عاد…”

                                        المملكة الداخلية

        لا لن يغضب. والفريسيون الذين يجرّهم وراءه، كثيرا، كما يجر الثور الذبان، كانوا يزعجونه عبثا. وكان يتألّم دون أن يرفع صوته، مردّدا عليهم دونما ملل، أن ملكوت الله لن يكون تلك المجازفة الساطعة التي ينتظرونها ، والتي هي ألان رجاء أعزّ أصدقائه.

        وقد أتى الآن هذه الملكوت؛ وهو داخلي، وهو في داخلنا: وهو هذا التجديد للشخص البشري، هذا ميلاد كل شخص بشري بوجه خاص، هذا الملكوت، أنه الانسان
الجديد.

        لا شكّ، سيكون للمسيح يومه.أجل اطمئنواانتم الذين ترغبون في المشاهد والبريق، والمجد، ان كل هذا ستنالونه، أيها الأولاد المساكين! وهنا وقف السيد برهة: وقد أراد أن يلفت انتباههم الى وجوب اعدادهم الى الظلمات الوشيكة. وهمس اليهم:” يجب أن يتألّم أولا ابن الانسان كثيرا، وأن ينبذه هذا الجيل…”

                                        عودة يسوع

        ودون أن يتوقّف، لكي يحول دون أي تحقيق دقيق، عاد بسرعة الى ما يشغف به هؤلاء اليهود، فجأة، وراح يكلمّهم عن يومه، ومجيئه المفاجئ:وهو سريع كالطوفان على العالم، والنار على سادوم- نبؤة تسود وتصب في بعض أحيان التاريخ،وان كل كارثة تحقق قسما  حتى يوم الاكتمال الأخير.

        وهذا هو ظلم المحبة: في ذلك اليوم، امرأتان تقومان بعمل واحد ، تؤخذ الواحدة، وتخلص، وتترك الأخرى. ويكونون هناك كأولاد يحبون أن يخافوا، ويبحثون عن تفاصيل دقيقة: أين سيكون ذلك يا رب؟ في أي مكان؟” وهو يقول:” حيثما تكون الجثّة تجتمع النسور.”وتكاثر العصافير الجائعة المفاجئ حول الجثّة يعطي فكرة عن تلك الهنيهة، التي من جهات الكون الأربعة، تجمع النفوس المختارة على الحمل الذبيح والحيّ.

        وهم يحاولون أن يفهموا ويصمتون، وقد خنقتهم الحسرة. اذذاك فتح لهم يسوع باب الطوارئ: الصلاة. مهما حدث،فليصلّوا في وقت ذلك وفي غير وقته.ليلا ونهارا.هذا هو مطلب الله العجيب. وهو توسّل صلاة غير منقطع. .. واذا به هو ذاته يتوقّف، فجأة، مضطربا، وقد هاله ما رأى ،أو ما تخيّل؟ كما لو ان كثافة الجسد في تلك الدقيقة حجبت عن نظره، وهو نظر الله ، ماجريات أحداث اتلحياة- ابن الآب،لكنه مختبئ في الزمن، وهو يطرح على ذاته، السؤال الساحق:” عندما يأتي ابن الانسان ، تراه سيجد ايمانا على الأرض؟”

        وهو افتراض يحيّر الفكر…وغير أن كل كلمة من الرب لها قيمة مطلقة.وقد تمثّل رجوعه الى عالم ليس فيه ذرّة من ايمان وحيث المسيح يسوع سيكون مجهولا أكثر مما كان في أمبراطورية اغسطس في اضصطبل بيت لحم، وحيث اسمه لا يستدعي أي ذكرى في أي دماغ انساني. ومدى جيل يكفي ليعود المسيح كسارق ويصطدم في كل مكان بهذه العبارة:” لا نعرف هذا الرجل…”

        أيها الأخوة والأبناء الأعزاء ،

اننا نرحّب اليوم في ما بيننا بالدكتور شرف أبو شرف الذي انتخب نقيبا للأطباء. وانا نسأل الله أن يوفقه في مهمته الجديدة ويقتدي بمثل السيد المسيح الذي كان يشفي كرل من أتى اليه

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير