جلسة الأسئلة والأجوبة في ختام السنة الكهنوتية (الجزء الثاني)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

“اللاهوت الحقيقي… يسعى إلى الدخول بعمق في شركة مع المسيح”

حاضرة الفاتيكان، الاثنين 21 يونيو 2010 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي السؤال الثاني من جلسة الأسئلة والأجوبة التي جمعت بندكتس السادس عشر والكهنة مساء الجمعة خلال أمسية الصلاة في ساحة القديس بطرس بمناسبة لقاء الكهنة الدولي المنعقد في ختام سنة الكهنة.

***

إفريقيا

س: صاحب القداسة، أنا ماتياس أنييرو وأنا آت من إفريقيا، تحديداً من ساحل العاج. أنتم متعمقون في اللاهوت بينما نحن عندما ننجح، بالكاد نقرأ كتاباً عن اللاهوت للتنشئة. مع ذلك، يبدو لنا أن هناك فجوة بين اللاهوت والعقيدة، وحتى بين اللاهوت والروحانية. يشعر المرء أنه من الضروري ألا تكون الدراسة أكاديمية بالكامل، وأن تغذي روحانيتنا. هذا ما نشعر بأننا بحاجة إليه في الخدمة الكهنوتية عينها.

أحياناً، يبدو أن اللاهوت لا يجعل الله المحور، ولا يضع يسوع المسيح في “المستوى اللاهوتي” الأول، وبدلاً من ذلك تبرز ميول سائدة؛ وينتج عن ذلك انتشار آراء غير لائقة تسمح بإدخال فكر غير كاثوليكي في الكنيسة. كيف لنا ألا نضل في حياتنا وخدمتنا، عندما يكون العالم هو الذي يحكم على الإيمان وليس العكس؟ نحن نشعر بأننا تائهون!

بندكتس السادس عشر: شكراً. نحن نتناول الحديث عن مشكلة صعبة ومؤلمة. هناك فعلاً لاهوت يسعى إلى أن يكون أكاديمياً، ويظهر بمظهر علمي، وينسى الواقع الأساسي، حضور الله، حضوره بيننا، كلامه اليوم وليس فقط في الماضي. لقد ميز القديس بونافنتورا بين شكلين من اللاهوت في زمانه، فقال: “هناك لاهوت ناتج عن غطرسة العقل يسعى إلى الهيمنة على كل شيء، ويجعل من الله الفاعل موضوعاً ندرسه، في حين أنه ينبغي أن يكون شخصاً فاعلاً يتحدث معنا ويرشدنا”.

إن سوء استخدام اللاهوت يعتبر غطرسة العقل ولا يغذي الإيمان بل يحجب حضور الله في العالم. إذاً، هناك لاهوت يسعى إلى المعرفة من خلال المحبة، لاهوت تحركه المحبة وترشده المحبة، ويسعى إلى معرفة المحبوب. هذا هو اللاهوت الفعلي الذي ينجم عن محبة الله، المسيح، ويسعى إلى الدخول في شركة أعمق مع المسيح. في الواقع أن الإغراءات كبيرة في هذا الزمن؛ وتُفرض اليوم بخاصة “رؤية العالم المعاصرة” التي تصبح معيار الممكن والمستحيل. بهذا المعيار الذي بموجبه لا يتغير شيء، وتعتبر كل الأحداث التاريخية من النوع عينه، يتم استبعاد جدة الإنجيل، وظهور الله، الجدة الفعلية التي تشكل فرح إيماننا.

ما العمل؟ أقول للاهوتيين أولاً: تشجعوا. وأعبر عن شكري أيضاً للعديد من اللاهوتيين الذين يعملون جيداً. هناك تعسف واضح، وإنما هناك أيضاً العديد من اللاهوتيين الذين يعيشون في مختلف أنحاء العالم وفقاً لكلمة الله، ويقتاتون من التأمل، ويعيشون إيمان الكنيسة ويرغبون في المساعدة لكيما يكون الإيمان حاضراً في زماننا. إلى هؤلاء اللاهوتيين، أقدم امتناني الكبير.

وأقول للاهوتيين عامة: “لا تخافوا من طيف العلمية!” إني أتابع اللاهوت منذ سنة 1946، إذ بدأت بدراسته في يناير 1946. وتمكنت من التعرف إلى ثلاثة أجيال من اللاهوتيين تقريباً. وأستطيع أن أقول أن الفرضيات التي كانت قائمة في ذلك الزمان، وفي السبعينيات والثمانينيات، كانت الأحدث، وكانت علمية وشبه عقائدية، إلا أنها أصبحت قديمة وفقدت قيمتها! حتى أن عدداً منها يبدو سخيفاً. لذلك ينبغي التحلي بالشجاعة لمقاومة العلمية الظاهرة، وعدم الخضوع لكل الفرضيات، وللتفكير انطلاقاً من إيمان الكنيسة العظيم الحاضر في كل الأزمنة مما يفتح لنا المجال للوصول إلى الحقيقة.

يجب ألا نعتبر أن التفكير الوضعي الذي يستبعد السامي – الذي لا يمكن بلوغه – هو التفكير الصحيح! هذا التفكير الضعيف الذي يقدم فقط الأمور التي يمكن اختبارها، هو تفكير غير كاف. ينبغي علينا نحن اللاهوتيون أن نستخدم التفكير العظيم المنفتح على عظمة الله. ينبغي علينا التحلي بالشجاعة لتخطي الوضعية لبلوغ مسألة أصل الوجود. هذا يبدو لي مهماً جداً. وبالتالي، يجب أن نتحلى بشجاعة التفكير العظيم، وبتواضع عدم الخضوع لكل فرضيات الزمن، لنعيش انطلاقاً من إيمان كنيسة جميع الأزمنة. ما من أكثرية ضد أكثرية القديسين: الأكثرية الحقيقية هي مؤلفة من قديسي الكنيسة، والقديسون هم الذين يرشدوننا!

إلى الإكليريكيين والكهنة، أقول الأمر عينه: فكروا في أن الكتاب المقدس ليس كتاباً منفصلاً. هو حي في الجماعة الكنسية الحية الأساسية في كل العصور والتي تضمن وجود كلمة الله. لقد أعطانا الرب الكنيسة الحية مع الأساقفة المتحدين مع البابا. وواقع وجود أساقفة العالم المتحدين مع البابا يضمن لنا الشهادة للحقيقة الدائمة. دعونا نثق بتعليم شركة الأساقفة مع البابا الذي يمثل لنا حضور الكلمة. ودعونا نثق بحياة الكنيسة. ولنتحل بروح النقد.

بالطبع أن التنشئة اللاهوتية مهمة جداً – هذا ما أرغب في قوله للإكليريكيين. في زماننا، ينبغي علينا أن نعرف الكتاب المقدس جيداً، أمام هجمات البدع؛ ينبغي علينا أن نكون أصدقاء الكلمة. ولا بد لنا أيضاً من معرفة تيارات عصرنا لنتمكن من الاستجابة بطريقة عقلانية، لنتمكن من إعطاء سبب لإيماننا – كما يقول القديس بطرس. التنشئة مهمة جداً. وإنما لا بد لنا أيضاً من التحلي بروح النقد: معيار الإيمان هو أيضاً المعيار الذي يجب أن يُنظر من خلاله إلى اللاهوتيين واللاهوت. لقد أعطانا البابا يوحنا بولس الثاني مرجعاً أكيداً في “تعليم الكنيسة الكاثوليكية”، مرجعاً نرى فيه خلاصة إيمان
نا؛ وهذا التعليم هو المعيار للتمييز بين لاهوت مقبول وغير مقبول. إني أوصي إذاً بقراءة هذا النص ودراسته وهكذا يمكننا التقدم بلاهوت ناقد بالمعنى الإيجابي، أي نقد للميول الشائعة، نقد منفتح على الجدة الفعلية، مع عمق كلمة الله التي تظهر جدتها في كل الأزمنة وأيضاً في زماننا.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير