بقلم الأخت سيسيل حجازين – راهبات الوردية
الأردن، الاثنين 21 يونيو 2010 (Zenit.org). – ما زلنا نعيش وُنكرم في هذا الشهر المبارك، قلب يسوع الأقدس، والذي فيه الأنفس المكرسة، من رهبان وراهبات وكهنة، يجددون العهد مع هذا القلب، ينبوع النعم، عهد الحب والالتزام، عهد التضحية وفرح العطاء، عهد التسلم الكلي لإرادة الاب السماوي.
وذلك في خلوة روحية، أو ما يسمى برياضة روحية، تراجع فيه الأنفس المكرسة ذاتها، على ضوء روح الإنجيل وروحانيتها، بمراجعة دقيقة لحياتها الروحية والزمنية، واخذ المقاصد الروحية، التي تساعدها على تميم إرادة الاب السماوي،
في جو روحي، يتاح لها فيه، وقفة صادقة مع الذات، للدخول إلى العمق، دون حواجز، لتكتشف نقاط الضعف، أمام الخالق، الذي نذرت وسلمت حياتها لتميم مشيئته على الدوام، ولتنهل من ينابيعه، ومن كلمته المحيية، زادا روحيا، يساعدها على المضي قدما في رسالتها، لتكون في حياتها اليومية، شاهدة للمسيح القائم من بين الأموات .
أيضا في شهر قلب يسوع الأقدس، يمطر الله على كنيسته، بنعم غزيرة وهبات من فيض محبته ورحمته، اللامتناهية لبني البشر، إذ تلد الكنيسة كهنة، في يوم عيد القديسين بطرس وبولس، تنجب لنا، رعاة صالحين، يعملون على ولادتنا روحيا، وخلاص نفوسنا، وتنشئتنا تنشئة مسيحية صالحة، بحسب إرادة الله، وتعاليم كنيستنا الأم الواحدة، الغير مجزئة، والتي يرعاها قداسة البابا، ممثل المسيح على هذه الأرض.
فبطرس هامة الرسل، والذي قال للأعمى” لا فضة عندي ولا ذهب، ولكني أعطيك ما عندي: باسم يسوع المسيح الناصري امش”. “فحيث بطرس هناك الكنيسة”.
وبولس الرسول، والذي أصبح اليوم “رسول الأمم”، والذي قال :” الرب اختارني منذ كنت في بطن أمي، ودعاني بنعمته” بعد ما كان مضطهدا للمسيحيين،
وفي هذا الشهر أيضا، عيد مولد يوحنا المعمدان، والذي يصادف في الرابع والعشرين منه، يوحنا المعمدان الصوت الصارخ في البرية، الذي شهد للنور ، فعدّ طريق الرب، وهو الذي قال فيه ارميا النبي: ” قبل أن أصورك في البطن عرفتك، وقبل أن تخرج من الرحم قدستك، وجعلتك نبيا للأمم”,
ففي نفس هذا اليوم تحتفل البطريركية اللاتينية الأورشليمية، بالرسامة الكهنوتية، للشماس سامر هاني حداد، من رعية عنجرة – عجلون، والشماس فرح سلامة بدر، من رعية الوهادنة، والشماس إبراهيم أنيس نينو، من رعية مادبا، وذلك في كنيسة قلب يسوع الأقدس- تلاع العلي- عمان، والأب جورج إميل أيوب، من رعية الرينة- الناصرة، والذي احتفل برسامته في كنيسة البشارة الناصرة، على يد غبطة البطريرك فؤاد الطوال جزيل الوقار، بطريرك القدس للاتين، في التاسع عشر من هذا الشهر المبارك.
هؤلاء الكهنة الجدد، والذين قالوا نعم لإرادة الرب، المتمثلة بالسلطة الكنسية، سلموا حياتهم لله، وللعمل بمشيئته، والذين اتخذوا هذه الآية شعارا لهم: ” حسبك نعمتي، ففي الضعف تبلغ كمال قدرتي” بان يكونوا رعاة صالحين، على مثال معلمهم الأول، الراعي الصالح، الذي بذل حياته في سبيل الخراف، والذي جاء ليخدم،لا ليُخدم.
فمثال التسليم لإرادة الاب السماوي، قلب يسوع، فاكبر دليل على محبتنا لله ولقلبه الطاهر، هو أن نصنع إرادته دائما وفي كل شيء، ولو اقتضى الأمر منا التضحية بالذات، كما فعلت أمنا مريم العذراء، حينما قالت: “هأنذا امة الرب فليكن لي حسب قولك”.
قلب يسوع، هذا ما كان عليه من استعداد، فانه لم يطلب طوال حياته، إلا أن يصنع إرادة أبيه السماوي، فمن يمكنه أن يصف المحبة التي كان يحب بها أباه السماوي على وجه الأرض؟
والطوباوية ماري الفونسين، وسيطة العذراء، مؤسسة رهبنة الوردية المقدسة، والتي سلمت حياتها لله، بواسطة سيدة الوردية المقدسة، والتي شغفت بحبها،
وكانت تقول: “هي وحدها تعرف العواطف التي كانت في قلبي نحوها، والمحبة الملتهبة بي من كرمها ” هي التي عاشت حياة التكريس لله بكل أمانة.
والتي كتمت سرها سنين طويلة، كانت مثال العمل بإرادة الاب السماوي وتميم مشيئته، دون تردد، وبجهورية لا مثيل لها، وهي التي كانت تقضي الساعات الطوال أمام القربان الأقدس، وتكرم قلبه الطاهر، والتي كانت تقول: “يا يسوع دعني أهيم في حبك”. ونحن لنسأل أنفسنا؟ ما مدى حبنا لقلبه الطاهر؟ وما مدى جهوزيتنا لتتميم إرادة الاب السماوي المتمثلة بإرادة الرؤساء؟
فعندما دخل يسوع العالم قال: “هئنذا آت لأصنع مشيئتك يا الله” وكم من مرة سمعناه يحتج بأنه لم يأت ليصنع إرادته، بل إرادة الاب الذي أرسله، وجعل إتمام هذه الإرادة طعامه الجوهري:” طعامي هو أن اعمل أرادة الاب الذي أرسلني”.
لقد أطاع الاب السماوي ، حتى الموت، ضحّ في حياته، تواضع، وصار مطيعا حتى الموت، موت الصليب، طلبا لخلاص الإنسان. وأنا بالمقابل، بماذا أضحي؟ وما هي نوع طاعتي لرؤسائي؟ ولصوت الرب؟ هل للعمل بمشيئته؟ أم مشيئتي أنا؟؟
إن الله يعدنا بالمجد السماوي، شرط أن نكون شبيهين بيسوع المسيح، والحال إن مطابقة إرادة الإنسان لإرادة الله هي التي تصنع هذه المشابهة، فكما أن البغض يقسم القلوب، هكذا المحبة تولفها، بنوع أننا لا نقدر أن نحكم على شخصين، بان الواحد منهما يحب الأخر، إلا متى كان الواحد يريد ما يريده الأخر، فهكذا كانت حياة الطوباوية.
“لتكن مشيئتك” هذه هي كلمات التي كانت
ترددها، الطوباوية ماري الفونسين، والتي كانت تقول” ” يا له من يوم سعيد حصلت فيه على راحة قلب حقيقية، لأني أتممت إرادة الهي وأكملت أوامر أمي التي أنعمتْ عليّ بنعم لا تُعد ولا تحصى، وقد كنت أشكرها دائما بقلب حار”، “كنت دائما أكرر: فلتكن مشيئتك يا رب”.
أين نحن من تميم إرادة الاب السماوي، في حياتنا اليومية؟ أين نحن من قاموس، كلمة “شكرا” لك يا رب على عطاياك ونعمك التي لا توصف ولا تعد؟
قال القديس يوحنا ذهبي الفم: ” كل كمال الحبّ يقوم في التسليم إلى إرادة الله”، فعندما تبلغ النفس إلى إماتة إرادتها الذاتية، لكي تجعل إرادة الله حية ، تعمل فيها، تكون قد بلغت الكمال، كما عاشت هذه الإرادة الطوباوية ماري الفونسين في حياتها الأرضية.
هناك بعض الأشخاص الأتقياء ، يجعلون تقواهم متعلقة على الإكثار من عمل الاماتات، أو المناولات، أو الصلوات العديدة، ولكن الكمال ليس هو في هذه، نعم، كل ذلك جيد وواجب ومطلوب، إنما ينقصه الجزء الجوهري، أي المطابقة لإرادة الله، عيش وعمل إرادة الاب السماوي، دون تذمر وبقناعة وثقه بالرب.
فكل ما يطلبه منا يسوع ينحصر في أن نصنع إرادة أبيه، لذلك علّمنا من فمه الطاهر بان نقول لأبيه دوما وفي جميع ظروف حياتنا: ” لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”.
والله الاب نفسه لا يطلب من الإنسان إلا قلبه، أي إرادته، فلنسلم له إرادتنا ولنعش كما عاش يسوع المسيح، ولنقل دائما في الظروف الصعبة: ” لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”، وعلى مثال الطوباوية ماري الفونسين، والتي كانت تقول : “يا رب إن كنت تجود بتعزيات كهذه على خطأة لا يفتشون عنك، فما عسى أن تكون محبتك لأصدقائك الذين يتممون ارداتك القدوسه”. ومعها نقول: “يا يسوع دعني أهيم في حبك، كي اتمم إرادتك الإلهية، في حياتي اليومية “.
وهؤلاء الشمامسة الذين سيصبحون كهنة وخدام الرب، خلال هذه الأيام، هم أيضا جادوا بذواتهم ذبيحة حب مستمرة، على هيكل الرب، فليقبل الرب القدير هذه العطية، وليرفعهم وليقُدهم لطريق القداسة، ولتمتزج أعمالهم ورسالتهم وحياتهم، بحياة ورسالة الفادي الإلهي.
فيا أم الكاهن الأزلي ، صلي لأجل كهنتنا وقدسيهم، كي نتقدس نحن بدورنا ، وأنت أيتها الطوباوية ماري الفونسين، عليمنا أن نعيش في حياتنا اليومية معنى الطاعة لإرادة الرب، من خلال رؤساءنا.
أنت التي قلت .” عزمت حبا لمريم وإكراما لها أن أطيع صوتها وأضحي بذاتي في رهبانية الوردية، واثقة بمعونة أمي ومعتقدة أنها تصحبني دائما وتعضدني”، ساعديني أن اتمم الطاعة المقدسة بفرح على مثالك: “وصارت الطاعة بهجة لقلبي وروحي، وكنت أتمّم كل أوامر رؤسائي بسهولة ومحبة لا توصف”.
ألف مبروك لإخوتنا الكهنة الجدد الرسامة الكهنوتية، وتسليم ذواتكم لإرادة الاب السماوي وألف مبروك لكنيستنا الأم .
أعطنا يا رب أن نعمل دوما بمنشئتك القدوسة