جلسة الأسئلة والأجوبة في ختام السنة الكهنوتية (الجزء الثالث)

Share this Entry

“التبتل… هو دليل إيمان عظيم”

حاضرة الفاتيكان، الثلاثاء 22 يونيو 2010 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي السؤال الثالث من جلسة الأسئلة والأجوبة التي جمعت بندكتس السادس عشر والكهنة خلال أمسية الصلاة في ساحة القديس بطرس بمناسبة لقاء الكهنة الدولي المنعقد في ختام سنة الكهنة.

***

أوروبا:

س: أيها الأب الأقدس، أنا كارول ميكولسكي، جئت من أوروبا وتحديداً من سلوفاكيا، وأخدم كمرسل في روسيا. عندما أحتفل بالقداس الإلهي، أجد ذاتي وأفهم أنني أجد هويتي فيه إضافة إلى جذور وطاقة خدمتي. تكشف لي ذبيحة الصليب الراعي الصالح الذي يعطي كل شيء لقطيعه، ولكل خروف. عندما أقول: “هذا هو جسدي… هذا هو دمي” الذي يبذل من أجلكم، أفهم جمال التبتل والطاعة اللذين نذرتهما طوعاً عند السيامة.

على الرغم من الصعاب، أرى التبتل واضحاً بالنظر إلى المسيح، لكنني أشعر بالارتباك لدى قراءة الكثير من النقد حول هذه الهبة. أيها الأب الأقدس، أسألكم بتواضع أن تشاركونا أفكاركم حول عمق التبتل الكنسي ومعناه الحقيقي.

بندكتس السادس عشر: شكراً على القسمين في سؤالك: على الأول حيث تتحدث عن الأساس الدائم والحيوي لتبتلنا، وعلى الثاني الذي يظهر الصعاب التي نعيشها في هذه الأيام.

القسم الأول مهم إذ أن الاحتفال اليومي بسر الافخارستيا المقدس ينبغي أن يشكل محور حياتنا. فيه، تعتبر كلمات التكريس أساسية – “هذا هو جسدي، هذا هو دمي” – لأننا نقولها “بشخص المسيح”. يسمح لنا المسيح باستخدام ضمير “الأنا” الخاص به – إننا نتكلم بـ “أنا” المسيح –، يجتذبنا المسيح إلى ذاته، ويسمح لنا بتوحيد أنفسنا، إذ يوحدنا بـ “الأنا” العائد إليه. هكذا، من خلال هذا العمل، يجتذبنا إلى ذاته، ليصبح “الأنا” الخاص بنا متحداً مع ضمير “الأنا” خاصته، ويحقق دوام كهنوته ووحدته. وبالتالي، فإن المسيح هو دوماً الكاهن الأوحد، الحاضر حتى الآن في العالم، لأنه يجتذبنا إلى ذاته ويجعل الخدمة الكهنوتية قائمة.

هذا يعني أننا “مجتذبون” إلى إله المسيح: هذه الوحدة مع “الأنا” العائد إليه هي التي تتحقق في كلمات التكريس. كذلك، في “إنني أغفر لك” – لأن ما من أحد بيننا قادر على مغفرة الخطايا – وحده “أنا” المسيح، الله، هو القادر على المغفرة. يدل اتحاد “الأنا” العائد إليه مع “الأنا” خاصتنا على أننا “مجتذبون” أيضاً إلى واقع القائم من بين الأموات، نحن نتقدم نحو حياة القيامة التامة الذي يتحدث يسوع عنها مع الصدوقيين في الفصل 22 من إنجيل متى. إنها حياة “جديدة” نتخطى فيها الزواج (مت 22: 23، 32).

من المهم أن نسمح دوماً لأنفسنا بالامتلاء مجدداً من تطابق “أنا” المسيح معنا، من خلال الانطلاق نحو عالم القيامة. بهذا المعنى، يكون التبتل استباقاً للأمور. نحن نتجاوز هذا الزمن ونتقدم، ونجتذب أنفسنا وزماننا نحو عالم القيامة، نحو جدة المسيح، نحو الحياة الجديدة والحقيقية. لذا، فإن التبتل هو استباق ممكن من خلال نعمة الرب الذي يجتذبنا إليه نحو عالم القيامة؛ هو يدعونا دوماً إلى السمو فوق أنفسنا وحاضرنا، نحو حاضر المستقبل الفعلي الذي يضحي حاضراً اليوم.

هذه نقطة مهمة. إن مشكلة المسيحية الكبيرة في العالم المعاصر هي أن التفكير لم يعد يهتم بمستقبل الله: يبدو حاضر هذا العالم كافياً. نريد فقط أن نملك هذا العالم، أن نعيش فقط في هذا العالم. وبالتالي فإننا نغلق الأبواب على عظمة وجودنا الحقيقية. إن معنى التبتل كاستباق يقضي بفتح هذه الأبواب وجعل العالم أعظم وإظهار واقع المستقبل الذي نعيشه كما لو أنه حاضر. إن العيش على هذا النحو هو شهادة للإيمان: نحن نؤمن بأن الله موجود، وأنه يدخل إلى حياتنا، وأننا قادرون على تأسيس حياتنا على المسيح، على الحياة المستقبلية.

نحن ندرك النقد الدنيوي الذي تحدثتم عنه. صحيح أن التبتل عثارة كبيرة في العالم اللاأدري، العالم الذي لا يؤخذ فيه الله بالاعتبار، ذلك لأنه يظهر أن الله مأخوذ بالاعتبار في حياتنا. من خلال حياة التبتل الإسكاتولوجية، يدخل عالم الله المستقبلي في واقع زماننا. ينبغي على ذلك أن يتلاشى! بمعنى ما، هذا النقد الدائم للتبتل مفاجئ في زمن يروج فيه الامتناع عن الزواج. مع ذلك، فإن الامتناع عن الزواج هو مختلف كلياً عن التبتل لأن الامتناع عن الزواج مبني على الرغبة في أن يعيش المرء وحيداً لذاته، ولا يقبل برباط حاسم، ويعيش الحياة كلها باستقلالية تامة، ويقرر ما يريد فعله في كل لحظة، وما يريد غرفه من الحياة؛ إنه “رفض” للرباط، و”رفض” للحسم، وعيش حياة فقط للذات. لكن التبتل هو النقيض تماماً: إنه “قبول” حاسم، السماح بأن يأخذنا الله بيدنا، تسليم الذات ليدي الرب، للأنا الخاص به. إنه فعل إخلاص وثقة، فعل يستلزم الإخلاص الزوجي؛ إنه نقيض هذا “الرفض”، هذه الاستقلالية التي لا ترغب في إلزام ذاتها، ولا تريد الارتباط؛ إنه “القبول” الحاسم الذي يؤكد “قبول” الزواج.

وهذا الزواج هو الشكل البيبلي، الشكل الطبيعي للرجل والمرأة، أساس الثقافة المسيحية العظيمة، ثقافات العالم العظيمة. وإن اختفى ذلك، ستتدمر جذور ثقافتنا. لذلك، يؤكد التبتل “قبول” الزواج بـ “قبول” العالم المستقبلي. لذا نتمنى المضي قدماً وجعل صخب الإيمان حاضراً، هذا الإيمان الذي يجعل كل الأمور مرتبطة بالله. نحن نعلم أنه إلى جانب هذه العثارة الكبيرة التي لا يريد العالم رؤيتها، هناك الفضائح الثانوية المتعلقة بنقصنا وآثامنا التي تخفي العثارة الحقيقية وتدفع إلى التفكير: “ولكنهم لا يعيشون فعلاً على أساس الله!”

مع ذلك، هناك أمانة عظيمة! التبتل، كما يظهره النقد، هو دليل عظيم على الإيمان، وحضور الله في العالم. دعونا نصلي للرب لكيما يساعدنا على التحرر من الفضائح الثانوية، وعلى نشر إيماننا: الثقة، قوة حياتنا، القائمة على الله ويسوع المسيح!          

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير