"الكاهن لا يزاول مهنة... إنه إنسان هائم بالمسيح"

حاضرة الفاتيكان، الجمعة 18 يونيو 2010 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي السؤال الأول من جلسة الأسئلة والأجوبة التي جمعت بندكتس السادس عشر والكهنة مساء الجمعة خلال أمسية الصلاة في ساحة القديس بطرس بمناسبة لقاء الكهنة الدولي المنعقد في ختام سنة الكهنة.

***

أميركا

س: أيها الأب المبارك، أنا الأب خوسيه إدواردو أوليفيرا إي سيلفا، وأنا من أميركا، تحديداً من البرازيل. إن معظم الحاضرين هنا ملتزمون بالعمل الرعوي المباشر في الرعية، وليس فقط مع جماعة واحدة، وإنما نؤدي أحياناً خدمتنا الكهنوتية في عدة رعايا أو ضمن جماعات كبيرة. بنية حسنة، نسعى إلى تلبية احتياجات مجتمع متبدل، مجتمع لم يعد مسيحياً بالكامل، لكننا ندرك أن عملنا ليس كافياً. صاحب القداسة، كيف لنا أن نتقدم؟ وفي أي اتجاه؟

بندكتس السادس عشر: أيها الأحباء، أرغب أولاً في التعبير عن فرحي الكبير باجتماع كهنة هنا من كل أنحاء العالم، في فرح دعوتنا ورغبتنا في خدمة الرب بكل ما أوتي لنا من قوة في هذا الزمن، زمننا.

رداً على السؤال، أنا أدرك صعوبة أن يكون المرء كاهن رعية، وبخاصة في بلدان المسيحية القديمة؛ فالرعايا تصبح أكثر اتساعاً، كوحدات رعوية... من الصعب التعرف إلى كل الناس، من الصعب إنجاز كل المهام المتوقعة من الكاهن. وبالتالي فإننا نتساءل فعلاً عن كيفية التقدم، كما ذكرتم. لكنني أود أن أقول بداية: إنني أعلم أن هناك العديد من الكهنة في العالم الذين يعملون بكل قواهم من أجل التبشير بالإنجيل، وحضور الرب وأسراره. إلى هؤلاء الكهنة، أعبر عن شكري الكبير في هذا الوقت. لقد قلت أنه لا يمكن إنجاز كل الأمور المرغوب فيها والتي ينبغي القيام بها، لأن قوانا محدودة والظروف صعبة في مجتمع أكثر تعددية وتعقيداً. أعتقد أنه من المهم أن يرى المؤمنون أن الكاهن لا يزاول مهنة، ولا ينهي ساعات عمل فيصبح حراً ويعيش لنفسه فقط، بل أنه رجل هائم بالمسيح، رجل ملتهب بمحبة المسيح. إن استطاع المؤمنون أن يروا أن الكاهن ممتلئ بفرح الرب، سيفهمون أنه غير قادر على إنجاز كل المهام، ويقبلون بمحدوديته، ويساعدونه. هنا تكمن النقطة الأساسية: أن نرى ونشعر بأن خادم الرعية يحس بأنه مدعو من الله؛ وأنه ممتلئ بمحبة الرب. في هذه الحالة، يلاحظ المرء استحالة القيام بكافة الأعمال. وبالتالي، فإن الشرط الأول يقوم على الامتلاء بفرح الإنجيل بكل كياننا. ولا بد من الاختيار ووضع أولويات والتمييز بين الممكن وغير الممكن. إننا نعرف الأولويات الثلاث الأساسية: هي الركائز الثلاث لوجودنا الكهنوتي. أولاً، الافخارستيا والأسرار: توفير إمكانية وحضور الافخارستيا، وتقديم قداس نهار الأحد، للجميع إن أمكن، والاحتفال به بطريقة يظهر من خلالها كفعل محبة الرب لنا. أما الركيزة الثانية فهي إعلان الكلمة بكل أبعادها: من الحوار الشخصي إلى العظة. والركيزة الثالثة هي "المحبة"، محبة المسيح: مساعدة المتألمين، الصغار، الأطفال، والمهمشين؛ وجعل محبة الراعي الصالح حاضرة فعلياً.

وتقوم أولوية أخرى على العلاقة الشخصية مع المسيح. في كتاب الصلوات، نقرأ في الرابع من نوفمبر عظة رائعة، نصاً للقديس تشارلز بوروميو، الراعي العظيم الذي بذل ذاته كلياً، والذي يقول لجميع الكهنة: "لا تهملوا روحكم: إن أُهملت روحكم، فلن تتمكنوا من إعطاء الآخرين ما ينبغي عليكم أن تعطوه. إذاً، يجب أن تخصصوا وقتاً لنفسكم، ولروحكم أيضاً". بمعنى آخر، تعتبر العلاقة مع المسيح، الحوار الشخصي مع المسيح، أولوية رعوية أساسية، وشرطاً في عملنا من أجل الآخرين! والصلاة ليست هامشية: إن "مهنة" الكاهن هي الصلاة كممثل أيضاً عن الأشخاص الذين لا يعرفون كيفية الصلاة أو لا يجدون وقتاً لذلك. إن الصلاة الفردية، وبخاصة صلاة الساعات، هي القوت الأساسي لروحنا، لكل عملنا.

ختاماً، لا بد من إدراك محدوديتنا، والانفتاح على هذا التواضع. دعونا نتذكر أحد المشاهد التي يصفها مرقس في الفصل السادس. عندما كان التلاميذ "مضطربين" وأرادوا إنهاء كل الأعمال، قال لهم الرب: "تعالوا أنتم على انفراد إلى مكان خال، واستريحوا قليلاً" (مر 6، 31). يمكنني القول أن ذلك عمل رعوي أيضاً: التحلي بالتواضع والجرأة للاستراحة. أعتقد أن الهيام بالرب، حب الرب، يظهر لنا الأولويات، الخيارات، ويساعدنا على إيجاد دربنا. الرب سيساعدنا. شكراً لكم جميعاً!