الكنيسة والوطن في فكر الأب متى المسكين (2)

للأب هاني باخوم

Share this Entry

أمين سر غبطة بطريرك الأقباط الكاثوليك

الأربعاء 21 سبتمبر 2011 (ZENIT.org).-. –  في المقالة السابقة عرضنا ماهيّة الكنيسة وأبعادها في فكر الأب متى المسكين. لكن ماهي علاقة الكنيسة بالدولة والوطن؟

في بداية مقالة الأب متى المسكين عن الكنيسة والدولة يؤكد بقوله إن السماء هي الوطن الحقيقي للذين اُختيروا وتَعينوا من قبـــل الله لهذا الميراث الذى لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل. السماء هي الوطن الأفضل والذي ننتظره وينتظرنا. نعم الأفضل لان هذه الحياة وهذا الوطن الذي نحيا فيه على الأرض هو فاضل، ولكن سيوجد ما هو أفضل.

فالوطن السمائى لا يلغى وجود الأوطان الأرضية. والسعي نحوه لا يعني إنكار الوطن الأرضي. فالحب والحنين الذي ينمو في قلب الإنسان تجاه وطنه الأرضي لا يتعارض مع الاشتياق للوطن السمائي.

فالوطن الأرضي هو المكان الذي ينمو فيه المسيحي ويحيا رسالته كأبن لله، هو المكان الذي فيه يظهر للعالم طبيعته التي تسلمها من الأب. هو مكان الرسالة. اما الوطن السمائي هو مكان الاستقرار، هو البيت الأبدي الذي فيه سينال هذا الإنسان ما له، بنعمة البنوة.

فخدمة الوطن الأرضي وساكنيه، ليست بواجب أخلاقي او فرض على المسيحي فقط، بل هذه الخدمة هي رسالة يظهر بها، وفي في هذا الوطن، حب الله لمن يحيا معه.

يؤكد الأب متى “إن كبت الروح الوطنية نوع من وأد الروح الإنسانية ومحاولة توجيه الإنسان نحو وطنه السمائي على حساب احتقاره للوطن الأرضي قصور فى فهم النفس البشرية، وإضرار بنموها، والأجود أن نُنمى فى الإنسان توفير الاثنين، فهذا حق وعدل وهو موافق لروح الإنجيل أيضا”ً (راجع المرجع السابق).

يقول الرب : “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله “. المسيح لم يقل اكتفوا بإعطاء قيصر ما له، ولا قال اكتفوا بعطاء الله، ولكنه جمع بين الاثنين لكي نعطي قيصر والله كلا منهما حقه فى مجاله.

مما سبق تنبع حرية المواطن المسيحي فى التصرف وإبداء الرأى والاشتراك فى كل ما يخص وطنه فى كل الأمور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على السواء. وعلى الكنيسة ان تحث شعبها على القيام بأعبائهم الوطنية.  وهذا يتم بدون أن توحي الكنيسة للمؤمنين بالتزام نظام معين او سياسة معينة.

المواطن المسيحي عليه “أن يدرك أنه مسئول أمام ضميره وأمام التاريخ عن أنظمة الحكم فى الدولة. فأى فساد أو إفساد فى أنظمة الحكم والنكوص بها إلى حالات الرجعية والعنصرية والحزبية وما ينشأ عن ذلك من فساد المجتمع كله وتدهور الاقتصاد والغلاء والبلاء، لابد وأن يقع أول ما يقع على المسيحي لأن طبيعته الروحية توحي إليه أن لا يتهرب من تحمل التبعيات حتى ولو لم يكن مشتركاً فى تسببها”.

ومن هنا يظهر جسامة المسؤلية على المواطن المسيحي من حيث عليه ان يتفهم أنظمة الحكم ومتابعة تطورها متابعة واعية حتى يستطيع أن يزن كل موقف من المواقف ويحكم حكمه الخاص المبنيٍ على المعرفة الاجتماعية الحرة، وفهم الأوضاع السياسية والاقتصادية قياساً على ما مرت به بلادنا سابقاً وما تعانيه البلاد الأخرى فى الحاضر حتى يخرج حكمه سليماً ناضجاً غير متحيز، دون أن يقحم الدين أو الكنيسة أو مصالحة الشخصية فى حكمه.

وهنا وبكل يقين وتأكيد يقول الأب متى المسكين:”والذى نود أن نوضحه للمواطن المسيحي أن حالة عدم المبالاة بمجريات الأمور فى الدولة لا يمكن أن تنتهى إلا بخسارة شديدة حينما يصحو فلا يجد نفسه فى الركب”. “والمواطن المسيحي لا يستطيع أن يعتمد على مسيحيته فى التهرب من واجباته الوطنية لأن فى ذلك إساءة لمسيحيته وتحميلها ما لا تطيق، فالمسيحية وبالتالى الكنيسة ليس لها اتجاه خاص فى أنظمة الحكم ولا تناصر وضعاً اجتماعياً أو سياسياً، ولا تمالئ أى نظام إن كان حسنا ولا تقاومه إن كان رديئاً ولكنها تعمل ما هو أعظم من ذلك كله، فهى تهب أولادها حرية كاملة ليتصرف كل واحد منهم فى أمور الدنيا حسب أصول الدنيا دون أن يجرح ضميره المسيحي، فيناصر الوضع الأفضل، اجتماعياً كان أو اقتصادياً أو سياسياً بكل ما أوتي من معرفة اجتماعية واقتصادية وسياسية”.

فعلى الكنيسة أن تدع المواطن المسيحي يتحرك بحرية فى كل الاتجاهات كما يشاء وكما تمليه عليه تربيته ونشأته وثقافته ويتحمل فى كل تبعة تحركه. وتظل الكنيسة فوق كل هذه التحركات جميعاً تعمل فى اختصاصها لخلاص نفسه وإهداء قدميه فى طريق ملكوت الله.

باختصار شديد حاولت في هذه المقالات عرض فكر الأب متى المسكين عن الكنيسة والدولة. ورأيت من توافق وتناغم بين تعليم الكنيسة الكاثوليكية الاجتماعي وهذا الفكر ما يفوق التخيل. وهذا يؤكد أن الشركة هي عطية من الروح القدس تجعلنا جميعا نسير لنفس الاتجاه، لنبلغ قامة المسيح، وإن كنا متنوعين ومختلفين.

أيام مباركة.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير