للأب سمير خليل سمير اليسوعي

بيروت، الثلاثاء 17 يناير 2012 (ZENIT.org). - انطلقت الشرارة الأولى للثورة العربية منذ عام، حين أقدم الشاب التونسي محمد بوعزيزي على إضرام النار في نفسه بسبب سوء أوضاعه الاقتصادية وتعرضه للإذلال على أيدي رجال الشرطة. كان ذلك في 15 ديسمبر؛ ومثل النار في الهشيم، كانت تضحيته شرارة تنقلت بين بلد وآخر مشعلة نار الثورة. وقد تأججت هذه الثورات لأسباب عديدة أبرزها مرور العالم العربي بأوقات عصيبة، وشعور الناس بالأسى وبرغبة في التغيير، فما كانوا يحتاجون إلا إلى شرارة صغيرة لتضرم هذه النار.
امتدت الثورة العربية بشكل متفاوت بين بلد وآخر إذ كان الناس أكثر استعداداً لها في بلدان دون الأخرى. فالشعب التونسي مثلاً كان أكثر قوة ونضجاً بما أنّ النظام السابق كان يسمح بالاحتجاج من وقت إلى آخر. أما في البلدان التي يحكمها نظام ديكتاتوري تماماً كما في ليبيا، كان التدخل الخارجي ضرورياً. ولكن في الحالة السورية، فإنّ الوضع أكثر تعقيداً مع غياب أي معطيات تؤكد إمكانية إيجاد حل للأزمة.
في المقابل، لم يحصل أي تحرك يذكر في بلدان مثل الأردن، ربما لأن الوضع ليس سيئاً كما في بلدان أخرى، فيما لم يحصل أي تحرك على الإطلاق في بعض البلدان حيث التركيبة السكانية متجانسة إلى حد كبير كما هي الحال في المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط، والتي يعيش سكانها بارتياح، ولكنّهم لا يعرفون شيئاً عن حقوق الإنسان والحرية والمساواة.
    
العالم العربي واحتياجاته
على أي حال، إنّ الاضطرابات التي شهدها العالم العربي هذا العام ناجمة عن عدم تلبية احتياجات الشعوب العربية. ولعلّ السبب أو الحاجة الأولى والأكثر إلحاحاً هي الفقر الذي يطال شريحة كبيرة من السكان. مع ذلك، لم تكن الثورة من صنيع هذه الشعوب لأنهم يعيشون في ظروف صعبة لدرجة أنّ فكرة الثورة لن تخطر حتى في بالهم. الثورة صنعها لهم آخرون وهم انضموا إليها، كما جرى في مصر التي يعيش 40 في المئة من سكانها دون خط الفقر. فالشاب التونسي الذي أضرم النار في نفسه كان يائساً بسبب الفقر والبطالة.
أما السبب الآخر، فهو مستوى البطالة المرتفع بين الشباب. ففي ثقافتنا العربية، إنّ العجز عن الانطلاق في الحياة هو سبب للمهانة والإذلال. بعبارة أخرى، البطالة تعني عدم القدرة على تأسيس عائلة. في أوروبا، لا يعتبر بلوغ سنّ الثلاثين من دون تأسيس عائلة أمراً كارثياً. أما في بلداننا العربية، يبدأ الناس بالتفكير في تأسيس عائلاتهم في سن العشرين، متأملين في أن يكونوا قد أسسوها مع بلوغهم الخامسة والعشرين. ولكن إن كنت باطلاً عن العمل، يصبح ذلك مستحيلاً. ففي وطننا العربي، على الشاب أن يكون قادراً على شراء منزل فيما يكون على الزوجة تجهيزه بالأثاث. ولكن إذا كانا عاطلَين عن العمل، يعجزان عن الزواج، ويتعرضان بالتالي إلى الإذلال.
والسبب الثالث أخلاقي، ويتمثل بانتقاص الكرامة وحرية التعبير عن الرأي وعدم المساواة، وهو ينطبق على كل من المثقفين والطبقات الوسطى؛ بالإضافة إلى أشكال أخرى من التمييز، والتي ليست بالضرورة ذات خلفيات دينية.
وأخيراً نذكر الشاشة الصغيرة التي تنقل العالم بأسره إلى غرفة المعيشة، فيشعر الناس بأنّهم متخلّفون مقارنة بالآخرين، ويبدأون بالتساؤل عن الأسباب. وفي الوقت عينه، يتناهى إلى مسامعهم أنّ الرئيس والوزير وسواهما هم أصحاب ثروات طائلة. كلّ تلك الأمور تولّد لديهم شعوراً بالظلم يأخذونه على محمل شخصي جداً.
هذه الأسباب مجتمعة ولّدت جوّ الإحباط الذي أدى إلى الانتفاضة.
* * *
جميع الحقوق محفوظة لوكالة "آسيانيوز"
نقلته من الإنكليزية إلى العربية كريستل روحانا - وكالة زينيت العالمية