الفاتيكان، الثلاثاء 10 يناير 2012 (Zenit.org). – تُعرفنا آيات إنجيل اليوم على شهادة يوحنا بيسوع القادم لطلب العماد على يده، ويَسبق هذا الإنجيل جُملة من الآيات تُدلي بشهادتها لتُعرفنا على هوية يوحنا، تمهيدا لمعرفة شخص يسوع وغايته من العماد. يوحنا، "صدى الكلمة"، نبيٌ في نهر الأردن يظهر بصفة مُعمِّد، صورة مغايرة لشهادة سائر الإنجليين، فالتعريف به على لسان يوحنا الإنجيلي يحمل في طياته جهة سلبية وأخرى ايجابية.
الجهة السلبية تكمن في "حشرية" علماء الشريعة والكهنة لمعرفة إن كان يوحنا المسيح المنتظر أم هو إيليا او موسى، لكن شهادة يوحنا جاءت واضحة وثابتة، فهو ليس المسيح ولا اي من هؤلاء الأنبياء، إنما وبكل وضوح، الصوت الذي تنبأ عنه أشعيا النبي، الصوت الصارخ في صحراء الإنسانية للعودة عن الضلال والإلتزام بالطريق المستقيم، أي التوبة، المؤدي الى الخلاص.
أما الجهة الإيجابية فهي شهادة يوحنا بالذات عن العماد الذي يقوم به والذي تمّ استجوابه حوله. فمن بين كل الذين اقتربوا لنيل العماد من يده، واحد ما عرفوه، له يحني كل ارادته مهابةً لعظمته ويقدم كل كيانه وذاته طاعة لمشيئته، "هو الغير مستحق بأن يحل رباط حذائه". هذه الصورة الأخيرة معبرة جدا عن مدى فهم يوحنا لمجد الإنسان المُطلق، الواقف امامه، وهو على شفير الإعتلان والظهور للعالم من نهر الأردن، محولا بذلك عماد الماء الى عماد الروح، أي من غسل الكيان الترابي الى غسل الجوهر الذاتي من وباء الخطيئة. هذه هي بداية شهادة يوحنا التي تتوضح في إنجيل اليوم: "يسوع هو حمل الله الحامل خطايا العالم".
"حمل الله" هي إحدى نعوت يسوع العديدة التي نتعرف اليها من خلال قرائتنا لبداية إنجيل يوحنا في كلامه عن "الكلمة"، و"حمل الله" يعني بدلالته الكبيرة على أن يسوع هو "الضحية" الوحيدة التي تمحي كل الخطايا، الضحية الفريدة من نوعها التي لا سابقة لها أو بديل عنها، ذو قيمة أبدية، هو الحمل الذي وهبه الله بذاته ومن ذاته للبشرية، لذلك إنه بشخصه من يحمل خطايا العالم ويعمل على إزالتها منذ الأزل والى الأبد. والروح القدس الحال والمستقر عليه يشهد على حلوله واستقراره يوحنا والجمع الحاضر، هذا الروح الذي يجعل من يسوع-الضحية، شاملة، لكل المسكونة وأبدية، تطال كل خاطىء في كل مراحل البشرية. هذا هو مبدأ وهدف شهادة يوحنا "وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ"، ولولا هذه الحقيقة بشخص يسوع المسيح لما كنا نعمل ونجاهد في السير معاً لبلوغ مجد الله وذروته.
بعماده، حمل يسوع البركة الثالوثية للشعوب، بركة مليئة بنور وهبات الآب والإبن والروح القدس. فالانسان الجاعل من ذاته مسكنا للثالوث الأقدس رغم غرقه في أوحال الخطيئة، يعمل جاهدا على إظهار وجه الثالوث، الصالح والمُحي والمساوي في الجوهر، متخطيا عقبة الخطيئة، متجددا بالتزامه المسيحي، بطاعته البنوية لمشيئة الآب، بإخضاع كل قدراته العقلية والقلبية ليسوع الإبن، وبمزج قواه بهبات الروح القدس المستقر فيه أبدا.