بقلم الأب سمير خليل سمير اليسوعي
بيروت، الثلاثاء 24 يناير 2012 (ZENIT.org). - يدفع الخوف من المستقبل بالمسيحيين إلى تفضيل الأنظمة السياسية القائمة والديكتاتورية بطبيعتها، وهذا إثم بالفعل. فإذا كانت الحكومة تشارك في أعمال العنف، علينا نحن المسيحيين أن نعلن رفضنا للعنف مهما كان مصدره، سواء اكانت المعارضة أم المواطنين العاديين أم الجيش.
من واجبنا أيضاً أن نعبّر عن دعمنا للحرية، ولكن ليس للحرية المفرطة التي تجلب الخراب إلى الغرب. بل يجب أن ننادي بالمساواة والعدالة للمسلمين والمسيحيين، رجالاً ونساء. فقد آن الأوان للمسيحيين أن يشاركوا في التبشير الثقافي البعيد كلّ البعد عن الدفع إلى تغيير العقيدة.
وللأسف، إنّ الخوف من الأسلمة يدفع بالمسيحيين إلى دهاليز الماضي. فمعظم هؤلاء لا يرغب بالانخراط في السياسة، بل جلذ ما يريده هو العيش بسلام. ولكن كمسيحي، من حقي وواجبي أن أكون ناشطاً على المستوى السياسي.
وانطلاقاً من هذه الخلفية، نفهم موقف أساقفة سوريا الذين يفضّلون المعلوم على المجهول. ولكنّ الخيار ليس بين الخير والشرّ، بل بين شرَّين... والاختيار سيكون لأقلّهما شرّاً. مع ذلك، إننا نعتمد طريقة التعبير عما يعنينا.
وأخيراً، الغرب
لقد اعتمد الغرب سياسة دعم الطغاة ثمّ إسقاطهم؛ وهو الآن يتّخذ موقف المتردد. وقد تعرض الغرب لانتقاد شديد في البلدان العربية بسبب تعويله على بلدان مثل المملكة العربية السعودية والتي تعتبر أسسها الأيدولوجية مصدراً غير مباشر للإرهاب. فالولايات المتحدة المنادية بالحرية وحقوق الإنسان تعتمد سياسة التكتّم حين يتعلّق الأمر بالسعوديين.
وفي ما يتعلق بليبيا، يعتقد العرب أنّ الغرب كان مهتماً بالنفط الليبي أكثر من اهتمامه بتحرير ليبيا. فقد تورّط الغرب في ليبيا دون سواها ( كما فعل ضد صدام حسين والعراق. أما في سوريا، فتعتمد الدول العربية سياسة الحذر نظراً إلى الدور الجيوسياسي الذي تلعبه سوريا... إنّ موقف الغرب في ما يتعلق بسوريا غير موحّد كما أنّه لا يعتمد على أي مبادئ أو قيم.
لست بحالمٍ، ولكنّي أظن أن كل بلد سوف يتبع مصالحه الخاصة أولاً. ولكن بما أنّ العالم العربي يواكب الربيع العربي، كان من الأفضل التوصل إلى سبل دعم (أو عدم دعم) هذه التحركات.
أما السياسة تجاه إسرائيل والتي تعتبر أحد الأسباب الرئيسية للأزمة في الشرق الأوسط، فهي تشكّل مصدر خوف كبير بالنسبة إلى العرب خصوصاً بعد أن شهدوا الالتفاف الذي قام به باراك أوباما في يوم واحد، حين أعلن أولاً دعمه لحلّ قيام دولتين، ثمّ غيّر موقفه خلال زيارة نتنياهو.
وينطبق الأمر نفسه على خطاب القاهرة، والذي غزا العالم العربي في بداية الأمر قبل أن يفقد مصداقيته لاحقاً، حين تبيّن أنّ السياسات التي يعتمدها لن تختلف كثيراً عن سياسة بوش. والآن، ستبقى مصداقيته متدنية إلى الأبد.
والأمر سيّان بالنسبة إلى أوروبا التي تفقد تدريجياً هويّتيها الدينية والثقافية. فأوروبا العاجزة عن التعامل مع ماضيها الاستعماري تحاول اليوم الاختباء خلف ضمير مثقل بدلاً من أن تسلّط الضوء على القيمة التي حملها الاستعمار في مجال الحوار ما بين الثقافات.
في أوروبا، يتحول الناس شيئاً فشيئاً عن الدين المحلي (عادة المسيحية). وقد باتت العلاقة بين الأوروبيين وسائر ديانات العالم ملتبسة. من جهة أخرى، تبرز بعض الحكومات التي تبدو في بعض الأحيان وكأنها تمنح الأفضلية للديانات المستوردة في حين تخنق الديانات المحلية. فعلى سبيل المثال، إذا قامت فرنسا بنكران هويتها الكاثوليكية التاريخية، فإنها ستعجز عن التعاطي مع الديانات الأخرى. وبحكم الأمر الواقع، تطوّر نوع من الانفصام بدء بعلمنة الاحتفالات المسيحية ليصل إلى الاعتراف بالديانات غير المسيحية.
لذا، يمكن للثورة أيضاً أن تساعد عدداً من الشباب الغربيين في العودة إلى رشدهم. ففي مصر وسوريا، خاطر البعض بحياتهم في سبيل نموذج مثالي وحياة كريمة، في سبيل شعب بأكمله. والسؤال الذي يطرح نفسه: كم شخصاً في إيطاليا أو أوروبا قد يكون مستعداً للقيام بذلك؟
* * *
جميع الحقوق محفوظة لوكالة "آسيانيوز"
نقلته من الإنكليزية إلى العربية كريستل روحانا - وكالة زينيت العالمية
حجارة القدس، جراحات القديس فرنسيس والوجه المقدس
رئيس الوزراء الإيطالي في مقابلة مع إذاعة الفاتيكان
بقلم سهى بطرس هرمز
روما، الاثنين 23 يناير 2012 (ZENIT.org). – نقرأ في الكتاب المقدس، وتحديداً أحد الوصايا العشر التي تقول:” أحب قريبك حُبكَ لنفسكَ”. تعني أن حب الإنسان وفهمه للآخر، نابع من حبهِ لذاتهِ. أي بمعنى إذا كنت أحب ذاتي، فيجب أن يكون حبي للآخر نابع من هذا الحب، يعني حبي لقريبي، فهذا يعني أنهُ أحب ذاتي وأقدسها وأحترمها، وإذا أظهرت عدم حبي واحترامي للآخر، فهذا معناه أنني لم أستطع أن أحب ذاتي وأنني أنانيًا وبخيلٌ. فبحبنا لذاتنا فإننا نسعّى لتهذيبها وصقلها والرقي والسمُّو بها ومن ثم نشارك هذا الآخر فيها.
كتب مايستر إيكهارت”، فيلسوف وعالم لاهوت (1260- 1328) فكرتهُ عن حب الذات قائلاً:” إذا أحببت نفسك، فقد أحببت كل شخص آخر كما تفعل إزاء نفسك، وطالما أنك تحب شخصًا آخر أقل مما تحب نفسك، فلن تنجح حقًا في حبك لنفسك. ولكن إذا أحببت الجميع على السواء بما في ذلك نفسك، فسوف تحبهم كشخص واحد، والذي هو (الله والإنسان)، ومن ثم ستكون شخصًا عظيمًا وعلى حق ذلك الذي يُحب نفسه ويُحب جميع الآخرين على السواء”.
هكذا نلاحظ أن حب الإنسان لنفسه وللآخر وللآخرين على صلة واحدة، أي إذا كان هذا الحب قائم، فأن الأنانية تنتفي أمامهُ ولا يكون لها وجود. والأنانية هي ضد حب الآخر، لأن الشخص الأناني لا يحب إلا ذاتهِ ويهتم بها أكثر وأحيانًا على حساب الآخر، حب النفس المُبالغ فيه، المُنغلق على نفسه، حب يريد كل شيء لنفسه دون غيره، حبُ امتلاك الآخر والسيطرة عليه. ولكن في الحقيقة هو يكره ذاتهُ ويُمقتها، لأنهُ في الواقع يحصرها في دائرة فكره المُنغلقة، ولا يبذل سوى مُحاولة فاشلة لتغطية فشلهِ في العناية بنفسه الحقيقية والتي هي جوهره المكنون فيه (جوهر الإله الكائن في كل إنسان). فهل يوجد إنسان يكره ذاتهُ، أو يبخل عليها، أم هل يوجد إنسان يريد الفشل لذاته أو يذمها؟ وعن الأناني كتب “أريك فرام” في كتابه المعنون “هروب من الحرية” قائلا:” الأناني يعيش دومًا في قلق وهو مشغول في نفسه، أنهُ يعاني شعوراً حاسداً، حارقاً، لرؤية إنسان آخر يتمتع بأكثر مما يملك هو، هذا النوع من البشر لا يحب ذاتهُ أبداً، بلْ في العمق يكره ذاتهُ”.
نقرأ أيضا في مقولات الآباء، هذا القول الرائع:” إذا كنت لا أحب نفسي، فمن يُحبها؟ وإذا كنت لا أحب ألا نفسي، فأي إنسان أنا؟! كذلك نلاحظ قول بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس يقول:” لو تكلمتُ بلغات الناس والملائكة، ولا محبة عندي، فما أنا إلا نحاسٌ يطنُّ أو صنجٌ يرنُّ”. (1 كورنثوس 13: 1). فالأنانية Egotism هي حب الاكتفاء بالذات وبالأنا (الذات الأنانية)، دون ترك مجال لحب الآخر واستيعابه واكتشافه وتفهمه والتضحية من أجلهِ، شدة حبهِ لنفسهِ يمنعهُ عن الانفتاح على الآخر واحتوائه، وليس شرطًا أن يكون هذا الآخر شريكًا لك، بل ربما يكون جارك، صديقك، قريبك ..الخ. وهناك مفردات متنوعة تستخدم لوصف الأنانية مثل: مُتمركز حول الذات، فردي، نرجسي، مُحب لذاته.
هل الأنانية سلوك متأصل أم مُكتسب؟
الإنسان الأناني يعاني من عدم الاتزان، يهتم بنفسه بشكل مُطلق أو مُبالغ فيه، بحيث يركز على مصلحتهِ ورغباتهِ الخاصة دون أي اعتبار لمصلحة الآخرين والمجتمع. وحب الذات من أجل معرفة كيف تحب الآخرين، يختلف كثيراً عن الأنانية التي تركز على حب الذات والاكتفاء بها ونبذ الآخرين، أي العمل في دائرة (الأنا المغلقة). وحب الذات صفة طبيعية موجودة داخل كل إنسان، فما من إنسان يكره ذاته أو يريد الشر لها. الإنسان يحب طفولتهِ، شبابهِ، بيتهِ، عائلتهِ، مصالحهِ، عملهِ، مجتمعهِ، تقاليدهِ، يحب الأكل الجيد ، اللبس الجميل، وأن يُمتع نفسهِ ويُترفها، فالإنسان بشكل عام يحب ذاته ويضحي من أجلها، لأنهُ موجود في هذا الوجود ومع الآخرين في المجتمع.<br>ولكن الأناني، يكتفي بوحدته وبفردانيته، يظن نفسه هو وحده الموجود، مُحدد في كل شيء، في تصرفاته مع نفسه ومع الآخرين، منغلق، يظن نفسه هو الوحيد القادر على توجيه الآخرين، وهو ألاحكم بينهم.
نلاحظ الأطفال مثلاً، في صغرهم يمتلكون من الأنانية، بحيث تصل إلى إيذاء أخوتهم الأصغر منهم، إما بسبب الغيرة والانفراد بحب الأم وحنانها، أو لكي يثبتوا لأنفسهم وللآخرين بأنهم الأفضل والأحسن، أو ربما أعجب بشخص أبيه أو أي شخصية أخرى في خياله الطفولي، فيتصرف تصرفات ليصبح مثلها، فنلاحظ اقتصار نظره على حاجاته الخاصة، وتتولد لديه الأنانية والسيطرة وحب الذات دون الآخرين وبأنهُ الأفضل وفعل كل محظور لإشباعها، ويهتم بنفسه وبمصالحه دون الاهتمام بمصالح الآخرين أو إعطاءها الأولوية، ومع مرور الأيام والسنين تصبح متأصلة في شخصيته في ظل غياب توجيه الوالدين لهُ، وتعليمه كيف يحب الآخرين لأنه موجود مع الآخرين.
خلاصة حديثنا نقول:
حبك لذاتك يبدأ من حبك للآخر وللآخرين، أي ليس حباً من طرف واحد وباتجاه واحد، لأنك لن تجد صداهُ، وستصطدم بواقع مريرٍ وخيبةٍ ولومٍ ومقتٍ، حبَّ نفسك بصدق كي تحب الآخرين وهنا تجد التوازن في حبك وفي نفسك أولاً، لأن الحب كيان وعلاقة تبادلية فيهِ أكثر من طرف. والإنسان إذا أراد العيش في مجتمع كانسان، لابد وأن يتنازل عن أنانيته أو غروره، ليستطيع التأقلم والتمتع مع الآخرين، بذات القدر من المحبة. بمعنى حبه لنفسه يجب أن يكون نابع من حبه للآخر والمحيطين به، لكي يشعر بإنسانيته وبشخصهِ، وبجوهره الحقيقي. أن تحب ذاتك، هذا شيء جميل، ولكن حبك لها يكون نابع من اقتناعك إن لهذا الآخر نصيب في هذا الحب دون مصلحة ذا
تية ودون العمل من أجل (الأنا) فقط.
وهناك مقولة جميلة يردها الناس تقول:” أظلمُ الناسِ من يظلمُ نفسهُ”. ونحن لا نريد أن تظلم ذاتك وتأسرها، بل تنطلق بها وتُطلقها كي تتواصل مع الآخرين وتجد ذاتك.